عمّ الصمت الشوارع الكبيرة في العاصمة السنغالية دكار، اليوم السبت، بعد ثلاثة أسابيع من حملة انتخابية ساخنة تنافس فيها خمسة مرشحين لإقناع الناخبين بالتصويت لهم في انتخابات رئاسية يعد الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال (58 عامًا) أبرز المرشحين للفوز بها، حتى إنها تحوّلت إلى ما يشبه «استفتاء» على حصيلة الولاية الرئاسية الأولى للرجل الذي يحكم السنغال منذ عام 2012.

محمود ولد الهادي: وحدها الملصقات الكبيرة التي تغلف البنايات والواجهات الإعلانية لا تزال شاهدة على أن البلاد عاشت على وقع حملة انتخابية ساخنة، بينما صمتت مكبرات الصوت، وتوقفت المهرجانات، لأن البلد الأفريقي، المعروف بهدوئه واستقراره، دخل في مرحلة «الصمت الانتخابي» عند منتصف ليل الجمعة- السبت، استعدادًا لتوجّه الناخبين إلى مكاتب الاقتراع صباح يوم الأحد المقبل.

يتنافس في هذه الانتخابات خمسة مرشحين، يتقدمهم ماكي سال، الطامح إلى ولاية رئاسية ثانية، قال إنه سيطلق فيها المرحلة الثانية من مشروعه الطموح «السنغال الناهض»، والذي يقوم على عصرنة اقتصاد البلاد وتحسين مستوى البنية التحتية وخلق فرص العمل، وتحسين الحياة اليومية لسكان الريف عبر دعم الزراعة والرعي والأنشطة الاقتصادية الصغيرة.

واختتم سال حملته الانتخابية بمسيرة شعبية كبيرة جابت عددًا من شوارع العاصمة دكار مساء الجمعة، لتنتهي بمهرجان شعبي ضخم في ملعب ليبولد سيدار سنغور، أكبر ملعب في العاصمة داكار، رفع فيه أنصار الرجل شعار الفوز في الشوط الأول من الانتخابات.

من جهة أخرى، يعد المنافس الأبرز في هذه الانتخابات الوزير الأول السابق إدريسا سك، الذي يبدو أن حظوظه كبيرة لأن يحل في المرتبة الثانية، بعدما تحالف مع عدد من معارضي الرئيس سال، وخاصة عمدة دكار السابق خليفة سال، المعتقل منذ سنوات عدة، بسبب إدانته في قضية فساد، وهي الإدانة التي منعت قبول ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، ويقول الكثير من السنغاليين إن خليفة سال كان سيكون منافسًا جديًا في الانتخابات، ويتهم بعض أنصار الرجل الرئيس ماكي سال بإقصائه من السباق الانتخابي، وهي التهمة التي يرفضها أنصار الرئيس، مشيرين إلى أن القضاء في السنغال مستقل.

اختار سك أن يختتم حملته الانتخابية في حي شعبي من أقدم أحياء مدينة داكار، هو حي «ريفيسك»، حيث استقبل من طرف آلاف السنغاليين، الذين خاطبهم قائلًا إن النظام الحاكم في السنغال «تجاهلهم خلال السنوات الماضية»، قبل أن يعدهم بأن يركز على عصرنة حيهم إذا تم انتخابه رئيسًا للسنغال.

بيد أن سك يواجه مشاكل كبيرة تعوق حصوله على ثقة السنغاليين، أولها أنه سبق أن أدين بالفساد قبل عشر سنوات، خلال حكم الرئيس السابق عبد الله واد (2000 - 2012) حين كان يشغل منصب الوزير الأول وعمدة بلدية «تييس»، كما إنه &أثار أخيرًا &غضب الزعامات الدينية في السنغال عندما أدلى بتصريحات هاجم فيها العرب، وقلل من قيمة فريضة الحج ومكانة مكة المكرمة والمسجد الأقصى، ليتعرّض لهجمة شرسة من زعامات دينية متنفذة في البلاد.

في المقابل هنالك المرشح عصمان سونغو (44 عامًا)، وهو نائب برلماني وسياسي شاب صاعد بقوة في صفوف المعارضة، يتبنى خطابًا شعبويًا يحظى بتأييد قطاعات واسعة من الشباب السنغالي، ولكن تنقصه التجربة الكافية، ويتهم بأنه معاد للأجانب، وقد يخلق مشاكل مع دول الجوار، خاصة موريتانيا، التي تتقاسم معها السنغال حقل غاز، يوصف بأنه الأكبر في غرب أفريقيا، وسيبدأ مرحلة الإنتاج بعد عامين.

يبرز أيضًا المرشح ماديكي نيانغ (65 عامًا)، وهو وزير سابق وأحد المقربين من الرئيس السابق عبد الله واد، والمرشح عيسى سال (59 عامًا)، وهو اقتصادي وأستاذ جامعي ووزير سابق.

وبينما يحتدم التنافس بين هؤلاء المرشحين، كان الرئيس السنغالي السابق واد يدعو أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات، بعدما رفضت المحكمة الدستورية ترشح نجله كريم واد، وهو وزير سابق في حكومته أدين في قضية فساد، وحكم عليه بالسجن والغرامة، قبل أن يتم الإفراج عنه بحرية موقتة ليقيم في منفاه الاختياري في العاصمة القطرية الدوحة.

في ظل هذه الأجواء السياسية الساخنة، تبدو حظوظ الرئيس سال لخلافة نفسه وافرة، في ظل استناده إلى حصيلة اقتصادية صلبة، وتحظى بدعم المموّلين الدوليين، الذين عبّروا عن وقوفهم إلى جانبه في مشاريعه التنموية، وخصصوا أكثر من 16 مليار فرنك غرب أفريقي لتمويل هذه المشاريع.