نصر المجالي: تواصلت التقارير التي تشبه "الخرافات والأساطير" بقليل من "التوابل والبهارات" عن خفايا زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد المفاجاة لطهران، يوم 25 فبراير الماضي، ما رافقها من تساؤلات لا تمت للحقيقة بصلة. وكانت الحقيقة الوحيدة هي أن زيارة الأسد كانت بدعوة من الحرس الثوري.

وقال تقرير إن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي فوجىء بأن ضيفه هو الرئيس السوري، ولذلك حتى تكتمل المفاجأة لم يرفع العلم السوري إلى جانب العلم الإيراني خلال اللقاء.

وحكاية رفع العلم السوري من عدمها، احتلت مساحات واسعة من التحليلات والآراء، لكن اي منها لم يشأ أن يذكر أن البروتوكول الإيراني لا يقرر رفع علم أي دولة حين استقبال المرشد لأي رئيس "كونه لا يحمل منصبا رسميا" أو لقب رئيس دولة.

مفاجأة

كما لم يرفع العلم السوري خلال لقاء روحاني مع الرئيس السوري وهنا تبدو المفاجأة بأن الرئيس الإيراني هو الذي لم يكن يعلم عن زيارة الأسد التي استثني من حضورها وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي قدم استقالته احتجاجا.

ومن يتابع على محركات البحث لقاءات المرشد الإيراني مع اي رئيس او زعيم دولة، يلا حظ بأن علم تلك الدولة لا يرفع الى جانب او مقابل العلم الإيرني، لكن الحال مختلف فيما اذا استقبل الرئيس الإيراني اي رئيس آخر حيث يرفع العلمان علم إيران وعلم دولة الرئيس الزائر.

موكب صغير

وفي روايتها لزيارة الرئيس السوري، قالت صحيفة (صبح نو) الإيرانية إن طهران كانت استضافت يم 25 فبراير ضيفا من نوع خاص، غادر مطار مهر آباد بموكب مرافق صغير، لكنه قوي ومدرب، نحو مبنى في مركز العاصمة طهران.

واضافت: كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، عندما وصلت سيارة سوداء إلى مقر مرشد الثورة في نهاية شارع فلسطين، ودخلت المبنى دون الاستقبالات الرسمية المعتادة.

وقالت: الضيوف الذين كانوا قد دعوا قبل ساعة واحدة إلى غرفة الاستقبال في مقر المرشد، كانوا يعرفون أن الجمهورية الإسلامية تستضيف أحد كبار قادة محور المقاومة، لكنهم لم يكونوا واثقين من اسمه، بعد لحظات نزل السيد بشار الأسد ومن ثم قائد فيلق القدس الشهير من السيارة.

واشارت الصحيفة الإيرانية إلى أن الأسد كان غادر دمشق عبر طائرة إيرانية بشكل سري للغاية. رغم ان زيارته كانت على جدول الأعمال منذ فترة، لكن الإيرانيين حافظوا بسرية شديدة على موعد الزيارة وساعتها، وربما لم يتجاوز من عرفوا متى سيزور الأسد طهران عدد أصابع اليد الواحدة، ولكن لماذا؟ ألم يكن بالإمكان الحفاظ على حياة الأسد أم أن هناك مشكلة أخرى؟ تتساءل الصحيفة.

لم يغادر

يشار إلى أن الأسد لم يغادر دمشق خلال السنوات الثماني الماضية إلا قليلا، وذلك بسبب مخاوف تعرض حياته للخطر إثر التهديدات المستمرة من قبل التكفيريين الأجانب، فضلا عن احتمال تعرض حياته للخطر أثناء السفر من قبل إسرائيل، بحسب الصحيفة الإيرانية.

وذكرت الصحيفة أن عددا من الشخصيات المعروفة قتلوا خلال طريقهم إلى إيران، أبرزهم محمد بن يحيى وزير الخارجية الجزائري الأسبق، الذي كان متجها إلى طهران للتوسط في بدايات الحرب مع العراق، لكن صدام أسقط طائرته عند النقطة الحدودية الإيرانية.

وتقول الصحيفة إن تسريب نبأ زيارة الأسد كان يمكن أن يدفع إسرائيل لتنفيذ مخططها، وعلى الرغم من أن إيران اليوم قادرة على تأمين الأجواء حتى خارج حدودها الجغرافية، لكن كان هناك خطر كبير في هذا الصدد.

وتزعم الصحيفة أن الزيارة السرية للرئيس السوري إلى طهران تدل على مدى نجاح الجهاز العسكري الأمني، في الحفاظ على سرية الزيارة حتى إنجازها نهائيا.

وتتابع بأنه بعد اللقاء الحميم مع مرشد الثورة، اتجه الأسد مباشرة نحو مكتب الرئيس حسن روحاني، الذي كان يعلم بالزيارة قبل موعدها بيوم واحد فقط وكانت دعوة وزير الخارجية محمد جواد ظريف من صلاحياته.

قلة قليلة

مع ذلك فضل روحاني ألا يبلغ إلا قلة قليلة بالأمر حتى قبل ساعة واحدة من اللقاء، وهذا هو سبب عدم وضع العلم السوري أثناء اللقاء.

وهذا ما حصل كذلك أثناء زيارة الأسد إلى روسيا ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يتم وضع العلم السوري لأن قسم التشريفات لم يكن على علم بالزيارة.

وتقول صحيفة (صبح نو) إن مدير مكتب الرئيس الإيراني خارج مبنى الرئاسة، وكان بانتظار وصول ضيف خاص من بوابة غير متعارف عليها ليبلغ روحاني بوصوله، لم يكن يعلم من سيدخل المبنى سيرا على الأقدام.

وبعد أن تم إبلاغ روحاني بوصول الأسد إلى ساحة المبنى، غادر روحاني غرفة عمله واتجه إلى الممر لاستقبال الأسد واحتضنا بعضيهما بحرارة.

وأوضحت الصحيفة أن الوفد المرافق للأسد كان محدودا للغاية، ولم يكن لا وزير الخارجية السوري على علم بالزيارة ولا سفير سوريا في طهران، وكلاهما لم يستقل بشكل عاجل ولم يهمشا هذا الحدث الكبير، نقول الصحيفة في إشارة إلى استقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف التي تراجع عنها لاحقا، والتي قيل إنها جاءت اعتراضا على عدم إخباره بالزيارة.

رفقة سليماني

وبعدما انتهت الزيارة، وبعد نحو أربع ساعات من تواجده في طهران اتجه الأسد إلى المطار وعاد إلى دمشق برفقة الجنرال قاسم سليماني، وإلى حين وصوله إلى قصر الرئاسة في دمشق، بقي المصورون کالمحتجزين في مكان ما.

وبعد أن وصلت رسالة قاسم سليماني من دمشق، تم الإعلان عن الزيارة بشكل محدود ومن ثم بشكل إعلامي واسع.

وكان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، قال إن ظريف مسؤول السياسة الخارجية في إيران وخلال فترة توليه مسؤولية الخارجية تلقى الدعم من كبار المسؤولين وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي.

وأضاف سليماني أنه كان "لظريف إنجازات قيمة لتأمين المصالح القومية الإيرانية على عدة مستويات وتمتع بالدعم الكافي في طريق مقارعة أعداء إيران".

وتابع قائد فيلق القدس: "خلال زيارة السيد بشار الأسد إلى طهران ولقائه بالدكتور روحاني رئيس الجمهورية، حصل خلل في بعض التنسيق في رئاسة الجمهورية أدى إلى غياب وزير خارجيتنا عن هذا اللقاء مما أدى إلى عتبه".

غير متعمّد

واعتبر سليماني أن الأدلة "تشير إلى عدم تعمد تغييب السيد الدكتور ظريف عن هذا اللقاء وينبغي أن أؤكد أنه كوزير للشؤون الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية المسؤول الرئيسي في مجال السياسات الخارجية لإيران".

وأعلن ظريف استقالته من منصبه، وقال، عبر حسابه على "إنستغرام": "شكرا جزيلا لكرم الشعب الإيراني الطيب والشجاع، ولسلطاته على مدى الـ 67 شهرا الماضية. أعتذر بصدق عن عدم القدرة على مواصلة الخدمة وعن جميع أوجه القصور أثناء الخدمة".

ونفى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، الموافقة على استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف. لكن ظريف عدل عن قراره لاحقا، واستمر في منصبه.