إسماعيل دبارة من تونس: يسابق كل من رئيس الحكومة الجزائري الجديد، ونائبه، الزمن مع اقتراب يوم الجمعة، من أجل اقناع الجزائريين بتجنب الخروج مجددا للشارع والقبول بخارطة الطريق التي أعلنها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.

وأعلنت الحكومة الجزائرية يوم الأربعاء استعدادها لإجراء محادثات مع المحتجين قائلة إنها تستهدف نظام حكم يستند إلى "إرادة الشعب".

ورفض نشطاء المعارضة قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة العدول عن خوض انتخابات الرئاسة سعيا للحصول على فترة خامسة واعتبروه "إجراء غير كاف" يهدف فقط إلى تهدئة الغضب الشعبي ولا يقدم شيئا لمعالجة عقود من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية.

وفيما يتنادى الجزائريون من جديد إلى جمعة تظاهرات على شاكلة حراك 22 فبراير وحراك 9 مارس، يبذل المسؤولون الجدد الذين اختارهم بوتفليقة مساع ضخمة لاقناع المتظاهرين بالتريّث، وتوالى ظهور كل من رئيس الوزراء الجديد ونائبه عبر وسائل الاعلام لشرح موقف النظام.

قال رئيس الوزراء الجزائري الجديد نور الدين بدوي الخميس إنه سيشكل حكومة خبراء ستشمل الشبان والشابات الذين يخرجون في مظاهرات حاشدة للضغط من أجل تحولات سياسية سريعة.

وقال بدوي "فيما يخص الحكومة نحن بصدد تشكيلها والتشاور فيما يخصها ونقول بصدق إن هذه التشكيلة سوف تكون تشكيلة تمثل كل الطاقات وخاصة الشبانية من بنات وأبناء وطننا".

ويأتي تعهده خلال مؤتمر صحافي في العاصمة، ولم يتوضح بعد إن كانت دعواته تلك ستقسم صفوف المحتجين وتدفع ببعضهم لتصديق وعود بوتفليقة وخارطة الطريق التي رسمها للاصلاح، وتتضمن تأجيل الانتخابات وبقاءه في الحكم لبعض الوقت إلى حين اعداد دستور جديدا والدعوة لانتخابات لا يترشح اليها.

طمأنة المواطنين

رمطان لعمامرة، نائب الوزير الأول، ووزير الخارجية الجديد الذي يحظى أيضا بثقة بوتفليقة، كثّف من ظهوره الاعلامي لشرح موقف الحكومة حيال الاصلاحات، ومنع حدوث تظاهرات حاشدة جديدة ضدّ بقاء الرئيس المنتهية ولايته ف الحكم.

وقال لعمامرة إنّ الحكومة ترغب في أن تؤدي دور المُسهل للندوة الوطنية الجامعة والمستقلة لا المنظم لها.

وصرح لعمامرة للإذاعة الجزائرية الرسمية، أن "الحكومة لن تكون منظمة لهذه الندوة، وإنما ترغب في أن تكون مسهلة لها"، مذكرا أن الرئيس بوتفليقة "أشار إلى أن الدستور الذي ستعده هذه الندوة لن يمس بالطابع الجمهوري والديمقراطي للجزائر وكذا المكونات الثلاثة لهويتها (الاسلام والعروبة والأمازيغية)، أما الباقي فسيكون محل نقاش".

وأوضح نائب الوزير الأول أن المشاورات ستكون حول طريقة تقسيم المشاركة بين أحزاب التحالف الرئاسي والمنظمات الأخرى من جهة، والمعارضة على اختلاف مشاربها، بما فيها تلك غير الممثلة في البرلمان من جهة أخرى، في حين أن الطرف الثالث يخص المجتمع المدني، على حد تعبيره.

وأضاف أنه "يجب الحرص على أن تعكس هذه الندوة مختلف تركيبات المجتمع الجزائري لاسيما الشباب والنساء"، موضحا أن المشاورات التي ستتم قبل اجراء الندوة على المستويين الوطني والاقليمي ومع الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج "ستسمح بإيجاد طريقة لتنظيم أشغال هذه الندوة".

وذكر أن "الأحزاب السياسية قد طالبت في الماضي بوضع مجلس تأسيسي وأنا أقول أن هذا الأمر هو استجابة من قبل الرئيس بوتفليقة لتطلع الأحزاب السياسية"، مضيفا أن "الفرق بين مجلس تأسيسي وندوة وطنية هو أن المجلس يتكون من مندوبين منتخبين لعهدة خاصة، أي اعداد دستور في حين أن المشاركين في الندوة الوطنية لا يجب أن يكونوا منتخبين بل من صلب المشاورات التي ستسمح بهذا التمثيل الذي يريده الرئيس بوتفليقة أن يكون عادلا".

وأوضح لعمامرة أن الندوة الوطنية التي ستنعقد قبل نهاية 2019 ستحدد تاريخ اجراء الانتخابات الرئاسية و"بمجرد تنظيم هذه الأخيرة سيسلم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة رسميا مفاتيح قصر المرادية للرئيس المنتخب من طرف الشعب بكل حرية".

أما فيما يتعلق بتنظيم الانتخابات الرئاسية، فأوضح أنه بعد حل الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات سيتم تأسيس لجنة انتخابية مستقلة وستمارس صلاحياتها خلال مختلف مراحل المسار الانتخابي بينما سيكون لوزارة الداخلية دور تقني وإداري لدعم ومساعدة اللجنة الجديدة.

و ردا على سؤال حول تعيينه في منصب نائب وزير أول والذي اعتبره البعض كمنصب نائب رئيس قال لعمامرة أنه ليس نائبا لرئيس الجمهورية وهو حسبه "منصب لا يمكن استحداثه إلا عن طريق الدستور".

وبخصوص الحوار الذي خص به إذاعة "أر.أف.إي" (إذاعة فرنسا الدولية) مباشرة بعد تعيينه نائبا للوزير الأول أوضح لعمامرة ان هذه الإذاعة "هي وسيلة اعلام بامتياز تسمح بالتواصل مع كل افريقيا التي هي عمقنا الطبيعي والاستراتيجي".

المؤسسات ستواصل عملها

حسب لعمامرة "لن يتم حل البرلمان" وجميع الهيئات ستواصل عملها بشكل عادي إلى غاية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.

وأوضح أن بوتفليقة أكد في رسالته الأخيرة إلى الأمة أن الهيئات القائمة ستواصل عملها بشكل عادي إلى غاية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد ولن يكون ثمة أي فراغ على أي مستوى كان. كما ستستمر كل الهيئات في العمل بشكل عادي، بما فيها البرلمان".

وفي رده على سؤال متعلق بتشكيلة الحكومة الجديدة أفاد نائب الوزير الأول أن مشاركة المعارضة والمجتمع المدني أمر "مرغوب فيه"، مذكرا أن رئيس الجمهورية يريد "تجديدا جوهريا" للسلطة التنفيذية بوجوه جديدة، لاسيما النساء والشباب.

وأضاف في نفس السياق أن "ممثلي المعارضة والمجتمع المدني مرحب بهم إذا ما أرادوا المشاركة في هذه الحكومة".

وقال إن الحكومة الجديدة بقيادة الوزير الأول نور الدين بدوي ستفتح قنوات التواصل و ستعمل على الاقناع لأن الأمر يتعلق "بحكومة ملزمة بتحقيق النتائج".

وبدا أكثر وضوحا عندما قال: "يجب التقرب من المواطنين والقوى السياسية و كل الأشخاص الذين لديهم قدرة للتأثير على سير الأحداث".

من جانبه، رفض الاخضر الابراهيمي المقرب من بوتفليقة والذي يعتقد أنه سيكون على رأس "الندوة الوطنية" التي ستحدد شكل الاصلاحات، مطلب اسقاط النظام.

وقال الابراهيمي في حوار مطول مع التلفزيون الرسمي: "مطلب التغيير الشامل الفوري دعوة للتحطيم، الجزائريون مطالبون بالمضي سريعًا نحو الجمهورية الثانية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون خلال عام واحد فقط. فالأمر يتطلب الوقت والصبر ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، والخطوة الأولى نحو التغيير يجب أن تكون في الاتجاه الصحيح".

الشارع في وادي آخر

وبعيدا عن تصريحات مسؤولي بوتفليقة الجدد، يواصل المتظاهرون الحشد من أجل جمعة تظاهرات جديدة، قد تعيد خلط الأوراق في أروقة الحكم، وتدفع ببوتفليقة إلى مزيد من التنازلات أو ربما ستدفع به إلى التشدّد أكثر حسب محللين، طالما أنه مصرّ على خروج مشرّف يحدده هو بنفسه، وليس رضوخا للتظاهرات.

ويرى المراقبون أنّ مدى التعبئة يوم الجمعة، سيكون محددا لمصير خارطة الطريق التي طرحها الرئيس المريض والمتقدم في السن.

وذكر أحد زعماء الاحتجاجات البارزين أن "المحادثات ليست على جدول الأعمال في الوقت الحالي على الأقل".

وقال الأستاذ الجامعي فضيل بومالا لرويترز "نرفض التفاوض على انتقال (سياسي) مع النظام. لا مفاوضات... توازن القوى في صالحنا، فلنقو حركتنا. ينبغي لنا مواصلة الضغط لما يصل إلى ثلاثة أسابيع".

وكان رئيس أركان القوات المسلحة ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح أبلغ قناة النهار في وقت سابق بأن الجيش سيحافظ على أمن الجزائر "مهما كانت الظروف والأحوال".

وتظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص من كل طبقات المجتمع على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية ضد الفساد والبطالة وطبقة حاكمة يهيمن عليها الجيش وقدامى المحاربين في حرب الاستقلال عن فرنسا التي دارت رحاها بين عامي 1954 و1962.

وحرّكت الاحتجاجات المشهد السياسي الراكد منذ فترة طويلة والذي اتسم بصعوبات اجتماعية واقتصادية على مدى عقود وبسيطرة المؤسسة العسكرية النافذة على السلطة من وراء الكواليس.