أكد الجزائريون من خلال تظاهرات حاشدة الرفض الشعبي الواضح لإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إرجاء الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى، والبقاء في الحكم بعد انتهاء ولايته الرابعة، متخليًا في المقابل عن الترشح لولاية خامسة.

إيلاف من الجزائر: كتبت صحيفة "الخبر" الصادرة السبت تحت عنوان "لن تزيد دقيقة يا بوتفليقة" أن الجزائريين خرجوا "بالملايين (...) رفضًا لاستمرارك في الحكم بعد انتهاء عهدتك في أبريل المقبل".&

إعلام رسمي يغرّد ضد التيار
بالنسبة إلى صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية فإن "الرد الصارخ للشعب" على "خارطة الطريق لتحضير المرحلة الانتقالية" هو "الرفض"، معتبرة أن "ملايين الجزائريين أعلنوا بذلك نتيجة استفتاء الشارع أمس (الجمعة)".

وتساءل موقع "كل شيئ عن الجزائر" الإخباري: "هل ستتوقف السلطة عن المناورة؟"، بعد "الرد القوي والواضح من الشعب على الإجراءات الترقيعية التي اتخذها الرئيس بوتفليقة".

حتى وسائل الإعلام الرسمية، المقربة تقليديًا من النظام، أفادت عن الاستياء الشعبي حيال السلطة، فعنونت وكالة الأنباء الرسمية على موقعها الإلكتروني: "المطالبة بتغيير النظام واحترام الدستور في صلب شعارات المسيرات الحاشدة في هذا الجمعة".

التغيير الجذري مطلب عادل
بثت قناتا "التلفزيون الجزائري" و"كانال ألجيري" العامتان مشاهد من التظاهرات، ظهرت فيها لافتات تحمل شعارات معادية للنظام مثل "إرحلوا"، وكذاك خصصت الإذاعة المملوكة للدولة تغطية واسعة للتظاهرات، ونقلت تصريحات محتجّين يطالبون برحيل يوتفليقة.

أما صحيفة المجاهد الحكومية الناطقة بالفرنسية فما زالت تتساءل: "إن كانت الإجابات المقدمة لحد الآن غير كافية أو لم يتم شرحها بشكل واضح؟"، مشيرة إلى أن مطالب الجزائريين "بتغيير جذري للنظام، مشتركة وعادلة وشرعية".

وسعى رئيس الوزراء الجديد نورالدين بدوي، الذي عيّن بعد إزاحة أحمد أويحيى الذي لا يتمتع بشعبية بين الجزائريين، ونائبه رمطان لعمامرة، خلال مؤتمر صحافي الخميس، سعيا إلى إقناع الجزائريين بصوابية قرارات النظام.

متيقظون للحيل والمناورات
لكن بالنسبة إلى صحيفة "ليبرتي" فإنه "لا مجال للصلح بين النظام والشعب (...) فقد دقت ساعة رحيل النظام" و"لا شيئ يمكن أن يوقف هذا الرحيل، (لأن) الجزائريين انتبهوا إلى الحيل والمناورات".

في مواجهة التظاهرات الحاشدة الرافضة منذ 22 فبراير لبقائه في الرئاسة لولاية خامسة، أعلن بوتفليقة الإثنين إرجاء الانتخابات التي كانت مقررة في 18 أبريل حتى نهاية أعمال "ندوة وطنية" يتمّ تشكيلها، وتكون ممثلة لمختلف الأطياف الجزائرية، وتعمل على وضع إصلاحات.

وقال إن الندوة "ستحرص على أن تفرغ من مهمتها" في نهاية العام 2019، على أن تحدّد انتخابات رئاسية بعدها. بذلك سيبقى الرئيس المريض، البالغ من العمر 82 عامًا، سيبقى في الحكم بعد انتهاء ولايته الحالية في 28 أبريل من دون تحديد موعد لانتخابات جديدة.

ملايين من الشمال إلى الجنوب
رد المتظاهرون على هذه المبادرة الرئاسية بلافتات كتبوا عليها "تتظاهرون بفهمنا، نتظاهر بالاستماع إليكم"، و"أردنا انتخابات بدون بوتفليقة، فحصلنا على بوتفليقة بدون انتخابات".

كما انتشرت التعليقات على تويتر، فشكر جزائري ساخرًا بدوي ولعمامرة على "جهودهما للإبقاء على تعبئة الجزائريين"، فيما كتب آخر أن يوم الجمعة هو "المؤتمر الصحافي للشعب".

وتحدثت وسائل إعلام ومحللون جزائريون الجمعة عن "ملايين" المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع لرابع يوم جمعة على التوالي من الاحتجاجات. يعتبر حجم التظاهرات واتساعها غير مسبوق في الجزائر منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم قبل عشرين عامًا.

كما سارت تظاهرات ضخمة في وهران وقسنطينة وعنابة، ثاني وثالث ورابع مدن لبلاد، وأحصت مصادر أمنية تظاهرات في حوالى نصف ولايات البلاد، من شمالها إلى جنوبها.

أمام مبنى البريد المركزي في قلب العاصمة، بقيت الشوارع مكتظة بالمتظاهرين حتى وقت متأخر الجمعة، ولا سيما في جادة عريضة، امتدت فيها مسيرة حاشدة على مسافة أكثر من كيلومترين، بحسب صحافية في وكالة فرانس برس في المكان. وقدم بعض السكان طعامًا إلى المتظاهرين، فيما كان وجود الشرطة محدودًا.

حوادث متفرقة&
جرت المسيرات بصورة إجمالية بشكل "سلمي"، طبقًا لشعار هذا الحراك، مع حصول بعض الصدامات المحدودة قرب وسط العاصمة بين الشرطة وبضع مئات الشبان، الذين رشقوا بالحجارة قوات كانت تقطع جادة مؤدية إلى مقر الرئاسة، وأوقعت المواجهات بعض الإصابات، بحسب صحافية فرانس برس.

من جهتها أعلنت مديرية الأمن الوطني في بيان توقيف 75 شخصًا، بسبب "أحداث عنف وسرقة وتحطيم سيارات وتخريب ممتلكات عامة وخاصة" في بعض أحياء العاصمة. وأكد البيان "إصابة 11 شرطيًا بجروح خفيفة".

بعد انتهاء المسيرات بدأ شباب متطوعون بجمع النفايات وتنظيف الشوارع، حتى إنه لم يبق أي أثر للتظاهرة في وسط العاصمة، ثم عادت حركة المرور إلى طبيعتها، وغادرت شاحنات الشرطة مواقعها.

هنا الجزائر... لا فرنسا
كما رفع المتظاهرون لافتات عدة ضد الحكومة الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سارع إلى الترحيب بقرارات بوتفليقة.

فضلًا عن التنديد بالمسؤولين السياسيين الجزائريين، رفع بعض المتظاهرين في العاصمة لافتات تنتقد فرنسا ورئيسها. ورفعت لافتة عريضة كتب عليها "الشعب هو الذي يختار، وليس فرنسا"، كما كتب على أخرى "كفى! نحن في 2019 وليس في 1830"، تاريخ احتلال فرنسا للجزائر.
&