تثير الأصول الليبية المجمدة في بلجيكا الكثير من الجدل، بعدما اكتشفت السلطات البلجيكية في خريف 2017 اختفاء جزء كبير منها على الرغم من التجميد، قُدّر بـ 10 مليارات يورو، من مجموع 16.1 مليار يورو، معظمها في بنك يوروكلير الذي جمد في نوفمبر 2013 أربعة حسابات تابعة للهيئة العامة للاستثمار الليبية، والشركة الليبية للاستثمارات الأجنبية في البحرين ولوكسمبورغ.

ضغوط متزايدة

في هذا الإطار، كشفت صحيفة "ستاندارد" البلجيكية أن الحكومة البلجيكية أصدرت 2.7 مليار يورو من فوائد أصل 14 مليار يورو من الأموال الليبية المجمدة منذ اندلاع الثورة الليبية على نظام معمر القذافي في عام 2011. وقال التقرير إن إيرادات الفوائد من الأموال الليبية بلغت 12 مليار يورو، وأن البرلمان البلجيكي يدرس وثيقة تحث على التخلص من هذه الأموال.

تواجه الحكومة البلجيكية ضغوطًا متزايدة لتبرير سماحها بنقل مئات الملايين من اليورو من حسابات تعود لنظام القذافي مجمدة في بروكسل إلى جهات مجهولة، وذلك بين عامي 2012 و2017، الأمر الذي عدته الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي تجاوزًا للقانون.

وكشف تحقيق بثه التلفزيون البلجيكي أخيرًا أن الحكومة البلجيكية لعبت دورًا في تمويل مليشيات ليبية متورطة في قضايا تهريب البشر، اعتمادًا على تحقيق أجراه لعدة أسابيع، مبينًا أنه جرى تحويل الأصول المجمدة لنظام القذافي في البنوك البلجيكية إلى مليشيات، نقلًا عن مصدر مقرب من الاستخبارات البلجيكية.

الحكومة تقر

كانت الحكومة البلجيكية أقرت في أواخر فبراير الماضي بتصرفها بفوائد الأموال الليبية المجمدة في بنوكها، وتحويل جزء منها لتسديد مستحقات وديون شركات ومؤسسات بلجيكية عاملة في ليبيا، ما يورط المؤسسة الليبية للاستثمار ويحرجها أمام الرأي العام، ولا سيما أنها قالت إن فوائد الأموال الليبية المجمدة بحيازتها.

انتشرت وثائق بينها رسالة تعود إلى عام 2012، وجهها وزير خارجية بلجيكا ديدييه رايندرز إلى الحكومة الليبية وقال فيها إنه يريد دفع فواتير الشركات البلجيكية، بعد ذكر احتمال تجميد الأموال المجمدة.

كلم رايندرز وزير الخارجية الليبي عاشور بن خيال عن أصول ليبية مجمدة في بلجيكا، وعن إمكانية تحريرها، ثم ذكر ديون عدد من الشركات البلجيكية، بما في ذلك شركة "إف إن هيرستال" لصناعة الطائرات وشركة أخرى تعمل في القطاع العسكري.

إمكانية رسمية

في رسالة مؤرخة في 1 أغسطس 2012، يشرح رايندرز لبن خيال أن هناك "إمكانية رسمية" بموجب قوانين العقوبات في الاتحاد الأوروبي لـ"تحرير الأصول المجمدة من أجل أمورٍ تتعلق بأهداف إنسانية".

وأرفق رايندرز رسالته بقائمة لنحو 30 مليون يورو من المدفوعات المستحقة لثمانية شركات بلجيكية، وقال: "لتسوية هذه المستحقات المتأخرة، سأكون ممتنًا للغاية إذا كنت تستطيع أن تقدم لي أوامر الدفع لكل عقد منفردًا، وهذا سيؤدي بلا شك إلى تحسين الشروط المتعلقة بتمويل الصادرات وتسهيل المزيد من الأنشطة التجارية بين بلدينا".
ولم يتضح فعليًا إذا كانت الأموال التي أفرج عنها من حسابات ليبيا المجمدة في بلجيكا قد تم تجييرها لدفع تلك الديون المحددة. وقال ديفيد ماريشال، المتحدث باسم رايندرز، إن الوزير لا يعلم بأي قرار بإلغاء تجميد الأموال الليبية أو إذا كانت الشركات البلجيكية تلقت أموالها المستحقة.

تمويل شراء أسلحة

يطالب مشرعون تابعون للمعارضة البلجيكية بأن تبرر الحكومة خروج الأموال من الأرصدة المجمدة، بعدما ربطت تقارير إعلامية بلجيكية مدفوعات الحسابات الليبية في بروكسل بشحنات أسلحة إلى الميليشيات الليبية.

وفي نوفمبر الماضي، اتهم أحمد المسماري، المتحدث باسم الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي يسيطر على الجزء الشرقي من البلاد، بلجيكا بإرسال أسلحة إلى "مجموعات إرهابية" في غرب ليبيا عبر مطار مصراتة.

وادعى المسماري في مؤتمر صحفي أن بلجيكا استخدمت فوائد وأرباح الأصول الليبية المجمدة لإرسال الأسلحة إلى القاعدة والإخوان المسلمين، مهددًا بإرسال مطالبته إلى القضاء، قائلًا: "هذه القضية لا تخضع لقانون التقادم".

كما أشار إلى الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمعاقبة بلجيكا بما في ذلك قطع العلاقات السياسية والاقتصادية.

لا يحق لها

ذكرت الصحف البلجيكية في 28 فبراير الماضي أن الأمم المتحدة وجهت رسالة رسمية إلى بلجيكا، في 17 ديسمبر 2018، أبلغتها فيها بأن لا يحق لها التصرف في الأموال الليبية المجمدة.

رفض رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل الإفصاح عما إذا كان له علم برسالة الأمم المتحدة والتي يتوقع أن تزيد من الضغط ليس على بلجيكا وحدها، لكن على عدد من الأطراف الليبية المتورطة في التصرف في الأموال المجمدة والتي صرفت في جزء منها رسميًا لتعويض مؤسسات بلجيكية لها ديون مستحقة على ليبيا وقد تكون أيضًا وضعت في جزء منها تحت تصرف أوساط ليبية، أسهمت في تغذية الحرب الأهلية في ليبيا.