اكتشف باحثون ألمان أن نقص هرمون الإنسولين في الدم يحرم الخلايا الدماغية من بروتينات توقف تنكسها، ما يفسر العلاقة الوثيقة بين السكري من جهة وألزهايمر وباركنسون من جهة أخرى.

إيلاف من برلين: ربطت دراسات إحصائية عديدة سابقة بين السكري ومخاطر تعرض المصابين به بأمراض خطرة أخرى مثل السرطان وألزهايمر وباركنسون. إلا أن دراسة ألمانية جديدة كشفت سر العلاقة بين السكري والمرَضَين الخطيرَين اللذين يصيبان الدماغ والجملة العصبية.

فبعد الكشف عن دور الإنسولين في حماية الأمعاء من السرطان، حان الآن وقت رسم العلاقة بين السكري والأمراض التنكسية مثل ألزهايمر (الخرف) وباركنسون (الشلل الرعاش).

وظيفة جديدة&

نجح الباحثون من جامعة بوتسدام الألمانية في تجارب مخبرية على الفئران، في الكشف عن وظيفة جديدة لهرمون الإنسولين. وظهر أن الهرمون يوفر الحماية لخلايا الدماغ من طريق تحفيزها على فرز جزيئات مهمة في عملية وقاية الدماغ من تراكم بيتا-أميلويد.

ذكر العلماء، من مركز البحوث الغذائية في جامعة بوتسدام، في تقرير نشرته مجلة "الطبيب الألماني" أن الإنسولين يتحكم أيضًا بـ "مركز المكافأة" في الدماغ، وكميات الطعام التي يتناولها الإنسان، والقدرات الذهنية والعواطف.

يعاني اليوم نحو 1,3 مليون ألماني من مرض ألزهايمر، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد ليصل إلى 2,6 مليون&بحلول عام 2050. ويتعلق المرض بتقدم العمر، وهكذا تبلغ نسبة المصابين به فوق 65 عامًا 2 في المئة، لكنها تقفز إلى 3 في المئة بعد السبعين، وإلى 6 في المئة فوق 75 عامًا. هناك علاقة إحصائية واضحة بين النوع الثاني من مرض السكري وزيادة احتمالات التعرض لألزهايمر.

الإنسولين واقي الدماغ

اكتشف الدكتور أندريه كلاينريدر، من جامعة بوتسدام، وفريق عمله في دراسة مخبرية حديثة أجروها على الفئران، أن الإنسولين في الدماغ يتسبب أيضًا في إنتاج الخلية لجزيئات واقية عدة، بما في ذلك بروتينات صدمة الحرارة &HSP10 وHSP60، التي لا غنى عنها لبناء البروتينات الأخرى.

على هذا الأساس، يتحكم الإنسولين بالهايبوثالاماس (المهاد) الذي يعرف العلم أنه يتحكم بسلوكنا الغذائي وبالتالي بالميتاكوندريا (المتقدرات). والمتقدرات هي مركز "توليد الطاقة" للخلية، فبدونها لن تستطيع الخلية إنتاج الطاقة اللازمة للحفاظ على حياتها، وما سيتسبب في توقف أنشطة الخلايا الأخرى. حيث تعمل الميتوكوندريا على إنتاج الطاقة داخل الخلية. وتوجد المتقدرات في أماكن عديدة في السايتوبلازم، ويختلف عددها بحسب إحتياج الخلية إلى الطاقة، حيث يتراوح بين بضع مئات وبضعة آلاف.

يؤدي نقص بروتينات &HSPإلى تراجع نشاط الميتاكوندريا في الخلايا، وبالتالي إلى شلل الخلية الدماغية. نقص الإنسولين يعني حرمان الخلية من بروتينات HSP، وهذا يفسر العلاقة بين النوع الثاني من السكري والأمراض العصبية التنكسية، مثل ألزهايمر وباركنسون.

أوقفت نشوء ألزهايمر

أجرى كلاينريدر تجاربه على الفئران بعد أن قسمها في مجموعتين: إحداهما للتجارب والثانية للمقارنة. وكوّنت الخلايا الدماغية في الفئران التي تلقت بخاح الإنسولين في الأنف الكثير من بروتينات HSP كما صارت تأكل الطعام الغني بالدهون بنهم. هذا، في حين لم تكوّن أدمغة الفئران، في مجموعة المقارنة التي لم تتلق بخاخ الإنسولين، أية جزيئات وقائية من بروتينات &HSP.

أعاد العلماء التجارب على فئران مصابة بالسكري تعاني انعدام الإنسولين في أجسادها، وعلى مجموعة أخرى تتمتع بمقاومة للإنسولين بسبب التغذية العالية الدهون. وهنا أيضًا، لم تكوّن أدمغة فئران المجموعتين أي عدد يُذكر من جزيئات بروتينات صدمة الحرارة &HSP.

كتبت كريستينا فايدرلمان، التي شاركت في التجارب، أن العلم لا يعرف حتى الآن سبب مخاطر تعرض مرضى السكري لألزهايمر وباركنسون، لكن الوظيفة الوقائية التنظيمية للإنسولين تكشف سر هذه العلاقة. ربما تكون بروتينات &HSP مسؤولة عن وقف تراكم بيتا-أميلويد في الخلايا الدماغية. أكدت الباحثة على ضرورة إجراء المزيد من التجارب بهدف الغور عميقًا في تفاصيل عمل الإنسولين على الدماغ.

لها التأثير نفسه

معروف أن بيتا-أميلويد عبارة عن بروتينات صغيرة فائقة الحركة وضارة بخلايا الدماغ. ويؤدي تراكم بيتا-أميلويد في خلايا الدماغ إلى وقف نشاط الخلايا وإضعاف الذاكرة ونشوء مرض ألزهايمر.&

تتجمع جزيئات بيتا-أميلويد على المستقبلات العصبية في الخلايا الدماغية، على سطوح هذه الخلايا، ما يؤدي إلى فقدان الخلايا القدرة على الاتصال ببعضها.

يبدأ التراكم الأولى لبروتينات بيتا-أميلويد في خلايا الدماغ قبل 15-20 عامًا من ظهور الأعراض المقيتة للمرض. ويرى العلماء أنفسهم في سباق مع الزمن من أجل التوصل إلى طريقة تكشف البشر المعرضين لألزهايمر منذ بداياته.

بدلًا من حقن الإنسولين وبخاخات الأنف والحبوب، يبحث فريق العمل من بوتسدام عن مواد غذائية طبيعية لها تأثير الإنسولين نفسه على الخلايا العصبية، وعلى الميتوكوندريا.