إسماعيل دبارة من تونس: بعد أن مرت خامس جمعة من التظاهرات في الجزائر بسلام ودون عنف يذكر، تتجه الأنظار من جديد إلى قصر المرادية، حيث يُحاصر الرئيس بوتفليقة من حلفاءه وخصومه في آن، وسط ترجيحات بلجوئه إلى المادة 102 من الدستور للخروج من الأزمة.

واحتشد مئات الآلاف من الجزائريين الجمعة للمطالبة بتنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فورا، بينما يكافح هو ليستمر في الحكم إلى حين تنفيذ حزمة اصلاحات سبق وأن وعد بها، لكن الاحتجاجات اليومية لا تتوقف وتخلي حلفاء قدامى عنه، في حين ترتخي قبضته شيئا فشيئا عن الجيش القوي الذي صار يبدي تحفظا أوضح تجاه تمسّك الرئيس بتمديد ولايته الرابعة.

وفي خضم كل تلك الأحداث التي تعيش على وقعها الجزائر منذ شهرين، تتجه أنظار المحللين من جديد إلى المادة 102 من دستور البلاد، كحلّ يسير يمكن أن يحفظ ماء وجه الرئيس المريض والواهن، وتبعد شبح العنف عن الجزائر، وترضي المحتجين المُصممين على رحيل الرئيس المنتهية ولايته في الآجال الدستورية ودون تمديد.

وتنص إحدى بنود المادة 102 على أنه "إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع".

ودعت شخصيات معارضة ونشطاء بارزون، في وقت سابق، إلى إعلان شغور منصب الرئيس، وتأجيل الانتخابات، بعد تقدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بأوراق ترشحه رسميا لولاية خامسة، قبل أن يتراجع عنها تحت ضغط الشارع.

ومازالت المعارضة إلى الآن تطالب بتفعيل المادة 102 التي تنص على إعلان شغور منصب الرئاسة.

ما الذي تطرحه المادة 102؟

تقول المادة 102 من الدستور الجزائري المعدل عام 2016:&

(إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع.
يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته مع مراعاة أحكام المادّة 104 من الدّستور.
وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يوما، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة.
في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة.
وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا.
يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة.
ولا يَحِقّ لرئيس الدّولة المعيّن بهذه الطّريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة.
وإذا اقترنت استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمّة لأيّ سبب كان، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، ويثبت بالإجماع الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة وحصول المانع لرئيس مجلس الأمّة. وفي هذه الحالة، يتولّى رئيس المجلس الدّستوريّ مهام رئيس الدّولة. يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشّروط المحدّدة في الفقرات السّابقة وفي المادّة 104من الدّستور. ولا يمكنه أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة).

ولا يُعرف بعد إن كان بوتفليقة قادرا على اخطار المجلس الدستوري بعجزه أم أن جهة ثانية ستفعل ذلك، إذ لا يحق للمجلس الدستوري اللجوء إلى المادة 102 من تلقاء نفسه ودون اشعار من طرف آخر.

ويفترض تطبيق المادة 102 استقالة رئيس الجمهورية، وتعيين رئيس مجلس الأمة في منصبه بالنيابة الى غاية تنظيم انتخابات قبل انتهاء ثلاثة أشهر، لكن المحتجين قد يرفضون تعيين رئيس مجلس الأمة (البرلمان) الحالي عبد القادر بن صالح، للإشراف على مرحلة انتقالية حساسة، باعتباره محسوبا على النظام وأحد أبرز رجالات بوتفليقة.

في حين يردّ خبراء القانون بالقول إن تلك المخاوف في غير محلها، إذ أنّ تعيين رئيس البرلمان لا يشكل حرجا مادام ليس له صلاحيات واسعة كتلك التي يتمتع بها الرئيس الحقيقي، إذ سيكون مقيدا من ناحية الصلاحيات والزمان ويقتصر دوره على تسيير المرحلة إلى غاية الانتخابات فقط، بل وسيكون تحت رقابة رهيبة من الشعب والأحزاب والهيئات والمجتمع المدني.

ويمكن حسب المعارضة الجزائرية، في حال إصرار الشارع على رفض بن صالح كخليفة مؤقت لبوتفليقة، دعوته هو الآخر للاستقالة من رئاسة مجلس الأمة الحالي وتعويضه "بشخصية وطنية" من الثلث الرئاسي، تحظى بثقة الشعب لتولي رئاسة مجلس الأمة أولا، ثم تعيينها خلفا لرئيس الجمهورية وتسيير المرحلة الانتقالية واجراء الانتخابات، مع ضمان هدوء المحتجين وكسب ثقتهم.

الكرة في ملعب بوتفليقة

مع عزم المحتجين على استقالة بوتفليقة "فورا"، تبدو الكرة الآن في ملعب الرئيس لايجاد حلّ "مشرّف" قبل أن تتكثف الضغوط أكثر وتتم تنحيته بشكل "غير لائق" حسب متابعين.

ويرى كثيرون أن بوتفليقة الذي اعترف في رسالته للأمة بأن "عمره وصحته" لا تسمحان له بالترشح لولاية خامسة، وأنه لم يكن يفكر اصلا في الموضوع، يبدو قادرا على مواصلة ذات النهج في الاعتراف بأن صحته عليلة ولم تعد تسمح له بقيادة البلاد في هذا الظرف. ما سيجعله يغادر منصبه "من الباب الكبير" على حدّ تعبير خبراء ومتابعين.

ومعلوم أنّ بوتفليقة من أبطال حرب التحرير التي أنهت الاستعمار الجزائري، كما أنه رمز للمصالحة الوطنية بعد حرب أهلية ضارية أنهكت البلاد وخلفت آلاف القتلى.

ورغم دور بوتفليقة ومستشاريه في ايجاد حل للأزمة الجزائرية، مازالت أنظار الشعب تتجه أيضا إلى المؤسسة العسكرية، ويعتقد كثيرون أنها هي التي ستنحي بوتفليقة أو ستفرض وجوده في نهاية المطاف إلى حين اجراء انتخابات جديدة.

ويكتب الصحافي الجزائري محمد بلعليا لموقع TSA عربي قائلا: "معروف أنه في الجزائر يوجد مركزين للقوة، هما رئاسة الجمهورية والجيش، في حين تراجع دور جهاز المخابرات منذ إعاةهيكلته في السنوات الاخيرة... ومنذ 22 فيفري، لم يعد لرئاسة الجمهورية أي رصيد بالنسبة للشعب، وكل ما اقترحه تم رفضه من قبل الشعب سواء تأجيل الانتخابات الرئاسية، أو الندوة الوطنية، او تمديد العهدة الرابعة... وكل ما يمكن أن تقترحه في المستقبل سيحمل رفضا من الشعب لانعدام الثقة في السلطة وقد يكون مغامرة بالبلاد".

يضيف بلعليا: "في مواجهة هذا الموقف، يعول الجزائريين على الجيش في مرافقة انتقال سلسل، يضمن الذهاب الى جمهورية ثانية يحدد الشعب فيها مستقبله، بشرط ألا يعيد نفس الأخطاء التي وقعت في الماضي، بما في ذلك خطأ عام 1992 عندما صادر الجنرالات السلطة، أو في عام 1965 أثناء الانقلاب العسكري على بن بلة".