شكل المؤتمر الصحافي الذي عقده ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، الاثنين، في مراكش، في ختام أشغال "المؤتمر الوزاري الأفريقي حول الدعم المقدم من الاتحاد الأفريقي للمسار السياسي للأمم المتحدة بشأن الخلاف الإقليمي حول الصحراء"، الذي تميّز بمشاركة 38 دولة، مناسبة لبسط سياق وأهداف هذا المؤتمر واستعراض وجهة النظر المغربية بصدد مجموعة من القضايا المرتبطة بقضية الصحراء وحاضر ومستقبل أفريقيا.

إيلاف من الرباط: لم يخف المسؤول المغربي ارتياحه لنتائج المؤتمر، الذي وصفه بـ"المهم والنوعي"، بالنظر إلى عدد ونوعية الدول المشاركة، والنتائج التي تمخض عنها، والتي تم تضمينها في بيان ختامي من 13 نقطة.

تحدث بوريطة عن ظرفية تنظيم المؤتمر، فأشار إلى أنه يأتي أيامًا قليلة بعد المائدة المستديرة الثانية حول الصحراء في جنيف تحت إشراف المبعوث الأممي هورست كوهلر، وفي سياق محاولات لإبعاد أفريقيا عن المواقف الواضحة والرزينة التي تم التعبير عنها في الدورة العادية الـ31 لمؤتمر الاتحاد الأفريقي، التي احتضنتها العاصمة الموريتانية نواكشوط في 2018.

تطرق بوريطة إلى البيان الختامي للمؤتمر، فقال عنه إنه تضمن عددًا من النقاط المهمة، بينها تأكيد المشاركين على أن "الأمم المتحدة هي المظلة الوحيدة للتعاطي مع قضية الصحراء"، بشكل يستبعد أي "مسار مواز أو مبادرات جانبية". كما أشار إلى تشديد البيان الختامي على أن القرار 693 الصادر من قمة الاتحاد الأفريقي في نواكشوط، والذي يشير إلى وجوب أن تدعم "الترويكا" المكونة من الرئيس السابق والحالي والمقبل للاتحاد الأفريقي، وتواكب مجهودات الأمم المتحدة في ما يتعلق بقضية الصحراء؛ وتبعًا لذلك، فإن "الترويكا" ليست أداة لوضع حلول وخلق مسارات، بل للتعبير عن الدعم ومواكبة جهود الأمم المتحدة في ما يتعلق بقضية الصحراء.

قدرة على التعبئة
وشدد بوريطة على أن بلاده لم تبحث عن عقد اجتماع في الموضوع، لكن حين بدأ الحديث عن اجتماع لبعض الدول (اجتماع بريتوريا حول دعم جبهة البوليساريو الانفصالية)، قال: "هذا طريق خطأ". وأبرز الوزير المغربي، في هذا السياق، أن مؤتمر مراكش "أكد قدرة المغرب على التعبئة"، مشيرًا إلى أن الإعداد له تطلب أسبوعين، فقط.

وتطرق بوريطة إلى الاجتماع المنظم في بريتوريا من قبل مجموعة تنمية أفريقيا الجنوبية (سادك)، فقال: "نصف المجموعة هنا. 8 من أصل 15 حضروا مؤتمر مراكش الذي حضرته 37 دولة، وصادق ممثلوها على البيان الختامي"، مشيرًا إلى أن دولًا قليلة العدد فقط، حضرت اجتماع بريتوريا، بينها دول من خارج القارة، مثل فنزويلا والأوروغواي.&

زاد متهكمًا: "قالوا سيحضر دونالد ترمب، وأنجيلا ميركل، وستحضر فيدريكا موغيريني!". ثم أضاف: "في مؤتمر مراكش، كل المجموعات الأفريقية ممثلة. هناك مشاركة نوعية لدول وازنة، من قبيل نيجيريا ورواندا والكونغو الديمقراطية وتنزانيا وزامبيا. تحدثت أفريقيا اليوم. والمغرب احتضن المؤتمر، ليس بهدف خلق تحالف، بل لخلق أرضية مشتركة بين ثلاثة أرباع دول القارة، تقوم على مضمون القرار 693، ورفض كل محاولة لخلق واقع جديد. القرار 693 واضح. وبيان المؤتمر رفضُ لمحاولات جر أفريقيا إلى الانقسام وإلى مواقف عفا عنها الزمن".

القرار 693
أكد المشاركون، في بيانهم الختامي، إدراكهم لـضرورة تعزيز الوحدة وجمع الشمل وتوحيد الجهود لتحقيق أفريقيا المرجوة، مع تأكيد تعلقهم بالاختيار الاستراتيجي لرؤساء الدول والحكومات لتجاوز أسباب الانقسام والتجزئة والتشرذم التي تهدد وحدة القارة، وإدراكهم للحاجة المستعجلة للقارة، لمواجهة القضايا ذات الأولوية، بما في ذلك التنمية البشرية المستدامة والتكامل الأفريقي والرفاه للأفارقة، في إطار أجندة 2063.&

كما جددوا "التفافهم حول التنفيذ البنّاء والفعال لآلية "ترويكا" الاتحاد الأفريقي، بشكل يحمي ويدعم ويحافظ على نزاهة العملية السياسية الجارية ضمن الإطار الحصري للأمم المتحدة، تحت إشراف مجلس الأمن ورعاية الأمين العام، بهدف الوصول إلى "حل سياسي واقعي، عملي ودائم لقضية الصحراء الغربية، يقوم على التوافق"، وفق القرار 2440 لمجلس الأمن.

صورة جماعية للمشاركين في أشغال المؤتمر الوزاري الأفريقي بشأن الصحراء بمراكش

رحّب المشاركون باعتماد القرار 693، الذي أعاد التأكيد على حصرية الأمم المتحدة كإطار لإيجاد حل سياسي مقبول، واقعي وعملي ومستدام لقضية الصحراء.&

إطار أممي
هدف المؤتمر إلى إبراز التوافق الأفريقي حول القرار 693، وتأكيد الدعم الأفريقي للمسلسل السياسي الجاري في إطار الأمم المتحدة، في أفق "حل سياسي واقعي، عملي ودائم لقضية الصحراء الغربية، يقوم على التوافق". لذلك، شهد برنامج المؤتمر كلمة افتتاحية لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، تلتها مداخلات رؤساء وفود 29 دولة، تم التعبير فيها عن مكانة المغرب داخل القارة، مع التشديد على مضمون القرار 693، سواء على مستوى طريقة عمل "الترويكا" أو حصر التعاطي مع قضية الصحراء في الأمم المتحدة.

لم الشمل
وتحدث بوريطة، في كلمته الافتتاحية، عن طريقة تعاطي المغرب مع انشغالات القارة، والدفاع عن مصلحتها العليا، التي تستدعي عدم خوض المعركة الخطأ. واستشهد، في هذا السياق، بخطاب العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة عودة المغرب إلى عائلته الأفريقية، الذي قال فيه "إن هدفنا ليس إثارة نقاش عقيم، ولا نرغب إطلاقًا في التفرقة، كما قد يزعم البعض! وستلمسون ذلك بأنفسكم: فبمجرد استعادة المملكة المغربية لمكانها فعليًا داخل الاتحاد، والشروع في المساهمة في تحقيق أجندته، فإن جهودها ستنكب على لم الشمل، والدفع به إلى الأمام".

ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي خلال مؤتمره الصحافي بمراكش

واعتبر بوريطة أن المؤتمر الوزاري الأفريقي حول الدعم المقدم من الاتحاد الأفريقي للمسار السياسي للأمم المتحدة بشأن الخلاف الإقليمي حول الصحراء يمثل الإيضاح الحقيقي لهذه الرؤية الملكية، في ما يتعلق بلم الشمل، والدفع به إلى الأمام، مؤكدًا أن هذا الفكر المُجمع للشمل ليس ظرفيًا، بل هو موقف ثابت، يعبّر عن توجّه السياسة الأفريقية للعاهل المغربي، التي تقوم على مبادئ المسؤولية والتضامن والوضوح، قبل أن يضيف: "هذا هو الخطاب القوي الذي يحمله كل واحد منا، نحن المجتمعين اليوم: لا للتفرقة، نعم للتلاحم. لا للمشاحنات التي عفى عنها الزمن، ونعم للتجمع في سبيل القضايا الملحّة لأفريقيا".

إطار مناسب
وتطرق بوريطة إلى القرار 693، فقال عنه إنه "أعاد وضع قضية الصحراء المغربية في إطارها المناسب، والمتعلق بالأمم المتحدة، وبالتالي يمكن من تنقية أجواء الاتحاد الأفريقي وتحصينه ضد كل محاولة غير لائقة لتحريفه عن طريق الوحدة والانسجام". وشدد على أن هذا القرار لا يحتمل التأويل أو التحريف أو أن يوظف كأداة، بل حمايته والمحافظة عليه وتعزيزه"، الشيء الذي يجعل من المؤتمر "منصة لرفض كل ضبابية أو غموض"، مشيرًا إلى أن "مقاربة التوضيح تمر عبر تعزيز المعايير والتوجيهات المحددة في القرار 693"، والمتمثلة في "حصرية الأمم المتحدة في البحث عن حل سياسي لقضية الصحراء المغربية، وإقصاء كل مسلسل مواز لعمل الأمم المتحدة، ودعم الاتحاد الأفريقي لجهود الأمم المتحدة، وأن "الترويكا" هي آلية لتأكيد هذا الدعم".

وشدد المسؤول المغربي، في معرض كلمته، على أن هذا الموقف لا يسعى إلى التقليص من دور أفريقيا، بل، على العكس من ذلك تمامًا، وكما سبق للعاهل المغربي أن قال، فـ"المملكة المغربية تسعى إلى أن تكون الريادة للقارة الأفريقية".