واشنطن: فاقم دونالد ترمب بشكل ملحوظ الأربعاء الضغوط الاقتصادية على كوبا عبر تقييد الرحلات الجوية ونقل الأموال الأميركية، وفتح الطريق أمام رفع آلاف الدعاوى القضائية ضد الشركات الأجنبية الموجودة في الجزيرة، في إجراء اعتبره كل من الاتحاد الأوروبي وكندا "مؤسفًا".

تدير واشنطن بذلك ظهرها بصورة واضحة للتقارب الذي بدأ مع كوبا في عهد الرئيس الديموقراطي باراك أوباما، ولا تبالي بموقف الاتحاد الأوروبي الذي يُعدُّ الشريك الاقتصادي الأول لهافانا.

بالتوازي، أصدر البيت الأبيض سلسلة قرارات ضد فنزويلا ونيكاراغوا، وأكد أنّ تحرّك دونالد ترمب ضدّ هذه الحكومات يهدف إلى "الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان" في أميركا اللاتينية.

قال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون أمام أميركيين من أصل كوبي، بينهم منفيون كانوا شاركوا في إنزال خليج الخنازير، تجمعوا في ميامي، "ندعم الوطنيين المؤيدين للحريات في هذه المنطقة".

عمليًا فقد اختارت واشنطن ذكرى الإنزال عند الخليج في 17 إبريل 1962 ومحاولة غزو كوبا التي انتهت بهزيمة، لتعلن عن قراراتها.

اعتداء على القانون الدولي
قال جون بولتون إنّ "هذه الإجراءات الجديدة ستساعد على إبقاء الدولارات الأميركية في منأى عن النظام الكوبي". وقبل ذلك، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأربعاء أن واشنطن ستطبق اعتبارًا من 2 مايو الفصل الثالث من قانون هيلمز-بورتون الصادر في 1996.

كان هذا القانون معلقًا لأكثر من عقدين من قبل الرؤساء الأميركيين لعدم التضييق على حلفائهم، وهو يتيح للمنفيين الكوبيين على وجه الخصوص التقدم بدعاوى أمام المحاكم الفدرالية الأميركية ضد المؤسسات التي جنت أرباحًا بفضل شركات تعرّضت للتأميم بعد ثورة العام 1959 في الجزيرة الكاريبية.

رفضت الحكومة الكوبية "بشدة" الإجراء الأميركي الجديد، وكتب وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز على تويتر "أرفض بشدة إعلان وزير الخارجية بومبيو تفعيل الفصل الثالث من قانون هيلمز بورتون، إنه اعتداء على القانون الدولي وعلى سيادة كوبا ودول أخرى".

وأسف الاتحاد الأوروبي وكندا في بيان مشترك للقرار الأميركي، وقالت المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند إن "قرار الولايات المتحدة (...) سيكون له تاثير كبير على المشغلين الاقتصاديين للاتحاد الأوروبي وكندا في كوبا، وسيؤدي إلى دوامة من الملاحقات القضائية لا طائل منها".

أضاف الأوروبيون والكنديون "نحن عازمون العمل معًا لحماية مصالح شركاتنا في إطار منظمة التجارة العالمية وعبر منع تنفيذ أو الاعتراف بالأحكام الأجنبية (...) في الاتحاد الأوروبي كما في كندا".

678 مليار دولار
بدوره، لفت المجلس الاقتصادي والتجاري للولايات المتحدة وكوبا، وهي مجموعة تتخذ مقرًا لها في نيويورك وتدعم العلاقات التجارية بين البلدين، إلى أن الشكاوى المشمولة ضمن الفصل الثالث قد تستهدف شركات يصل مجموع رقم أعمالها إلى 678 مليار دولار.

من بين المجموعات التي قد تتعرّض لملاحقات محتملة وفق المجموعة، شركات الطيران الأميركية "دلتا" و"أميريكان إيرلاينز" و"يونايتد" وشبكات فنادق، مثل "ماريوت" و"أكور"، وشركات أخرى مثل "هواوي" الصينية و"بيرنو ريكار" الفرنسية.

وأشارت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الأميركيتين كيمبارلي براير إلى أنّه لن تكون هناك "استثناءات"، غير أنّ "غالبية المؤسسات الأوروبية لن يتم إقلاقها في عملياتها في كوبا" لعدم استعمالها مبان أو منافع تأممت بعد 1959.

غير أنّ اقتراب هذا الإعلان كان أثار توترًا شديدًا بين المستثمرين المتواجدين في كوبا أو الراغبين بالانتقال إليها، كما أشارت &مصادر عدة لفرانس برس.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية قدرت لدى اعتماد قانون هيلمز-بورتون في 1996، عدد الشكاوى المحتملة بحوالى مئتي ألف، تم تجميدها، وقد يتم تحريكها في حال العمل بصورة كاملة ببنود الفصل الثالث من هذا القانون.

لحظة فارقة
زاد جون بولتون من منسوب الضغط حين أعلن في وقت لاحق أنّ واشنطن ستتجه أيضًا إلى "تقييد السفريات غير العائلية إلى كوبا" والحد من قيمة الحوالات المالية التي ترسل من الولايات المتحدة بمبلغ ألف دولار للشخص الواحد ولكل ثلاثة أشهر.

تساعد التحويلات بجزء كبير الاقتصاد الأسري في بلد لا يتخطى فيه متوسط الأجور 30 دولارًا في الشهر. أضافت واشنطن أيضًا شركات كوبية عدة على لائحتها السوداء للشركات التي لا يمكنها الاستفادة من تحويلات مالية أميركية مباشرة، بينها غافيوتا، ذراع للجيش الكوبي موجّه نحو السياحة.

في أعقاب ذلك، فرضت الولايات المتحدة التي تتهم السلطات الكوبية بدعم نظام الرئيس نيكولاس مادورو، عقوبات على فنزويلا ونيكاراغوا، شملت المصرف المركزي الفنزويلي وشخصيات قريبة إلى رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا.

تمثّل هذه القرارات "لحظة فارقة" وفق ما قال عمدة ميامي الأميركي من أصل كوبي فرانسيس سواريز لفرانس برس. واعتبر أنّها "تجفف الإماكانات المالية للأنظمة المؤيدة لكاسترو والشيوعية".

من جانبه، علّق المستشار السابق للرئيس باراك أوباما، بن رودس، على تزامن الإجراءات مع ذكرى إنزال خليج الخنازير بأنّ سياسة ترمب الكوبية "ستكون ناجحة بقدر ما كان الغزو ناجحًا". واستنكر عبر تويتر "عملًا بغيضًَا".

ولا ينفك ترمب، الذي دخل عمليًا في حملة للفوز بولاية رئاسية ثانية، عن التنديد بـ"الاشتراكية" وعن اتهام معارضيه الديموقراطيين بارتباطات مع بعض الأنظمة الأميركية اللاتينية.