يتابع العالم انتشار البلاستيك، وجزيئات البلاستيك الصغيرة (الميكروبلاستيك) في البحار والمحيطات ودورة المياه في الطبيعة منذ زمن، لكن دراسة فرنسية جديدة أثبتت أن الميكروبلاستيك ينتشر عبر الهواء أيضًا.

إيلاف من برلين: يقدر برنامج الأمم المتحدة لحماية البيئة وجود 118 ألف قطعة بلاستيك في كل كيلو متر مكعب من مياه البحار والمحيطات في العالم. وينتج العالم سنويًا ملايين الأطنان من البلاستيك، الذي تسللت جزيئاته إلى كل مكونات النظام البيئي على المستوى العالمي.

تفسخ قطع البلاستيك الكبيرة بالتدريج إلى قطع أصغر، وإلى ميكروبلاستيك، مع مرور الزمن بتأثير الماء والعوامل الطبيعية. وحينما فحص ناشطو منظمة "الكوكب البلاستيكي" دماءهم في المختبر عثروا على جزيئات البلاستيك تُلوّثها.

تتحدث دراسة أعدّها مركز أبحاث بحر الشمال (ألمانيا) عن تسرّب 20 ألف طن من المواد البلاستيكية المختلفة الحجم من سطوح السفن إلى البحر. وأثبتت الفحوصات الطبية وجود مواد بلاستيكية بمعدل 0.31 غرام في معدات 97% من الطيور البحرية هناك.&

وقدرت الدراسة نفوق 2 من كل 5 من فراخ البطريق بسبب الجوع، وهي حالة ناجمة من امتلاء معدات الحيوانات بالمواد البلاستيكة. الجدير بالذكر أن دائرة حماية البيئة الاتحادية في ألمانيا "نابو" تقدر تسلل 10 ملايين طن من البلاستيك سنويًا إلى بحار ومحيطات العالم. تتفاقم مشكلة "الكوكب البلاستيكي" سنويًا بفضل إنتاج عالمي يرتفع إلى 300 مليون طن من البلاستيك سنويًا، مع مؤشرات إلى تضاعف النفايات الناجمة من هذا الإنتاج بنسبة 600% في النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين.

365 جزيئة ميكروبلاستيك في كل متر مكعب من الهواء&
تحوّل الميكروبلاستيك إلى مشكلة بيئية وصحية عالمية، بسبب انتقاله عبر التربة والمياه من منطقة إلى أخرى، ومن خلال دورة المياه في الطبيعة. إلا أن انتشار البلاستيك لا يقتصر على تسلله عبر الماء والتربة كما يبدو، لأن دراسة نشرت في مجلة "نستشر جيوساينسيز" المتخصصة تتحدث عن انتشار جزيئات البلاستيك عبر الهواء إلى مسافات بعيدة.

أجرى الدراسة ستيف وديوني اللين، من معهد أبحاث "إيكولاب"، في منطقة بيرنين الجبلية الممتدة بين إسبانيا وفرنسا، في شتاء2017-2018. كتب العالمان أنهما قاسا 365 جزيئة ميكروبلاستيك في كل متر مكعب من الهواء كمعدل. فتغير تركيز الميكروبلاستيك في الجو هناك بحسب الفصول والامطار&وغيرها من العوامل الطبيعية، إلا أن المعدل هو الرقم المطروح أعلاه.

يدحض هذا الكشف العلمي الآراء التي توجّه إصبع الاتهام إلى الأنهار والبحار في نقل الميكروبلاستيك إلى مسافات طويلة. إذ إن العالمين قاسا هذه النسبة الكبيرة من تركيز البلاستيك في الجو في منطقة عالية ترتفع 1400 متر عن سطح الماء، وتبعد عشرات الكيومترات.

الأدهى من ذلك، وعلى هذا الارتفاع، رصد العالمان وجود ألياف ميكروبلاستيك من حجم 750 ميكروميترا (0.75 ملم) وجزيئات ميكروبلاستيك من حجم 300 ميكروميتر (0.3 ملم) في كل متر كعب من الهواء.

مصادر تبعد 95 كم
وفي دراستهم حول المصادر المحتملة لتلوث الجو بالميكروبلاستيك فوق جبال بيرنين، توصل العلماء إلى أنها مدن صغيرة قريبة لا يزيد سكان الواحدة منها على 25 ألف إنسان، ولا تقارن بالمدن الكبيرة، مثل تولوز وساراغوسا.

ظهر أيضًا أن أيام الصيف الحارة تؤهّل الهواء لحمل المزيد من جزيئات البلاستيك إلى مسافات بعيدة عن المصدر. وفي تعليقه على الدراسة، قال فولكر ماتياس، المتخصص في البيئة من معهد هيلمهولتز الألماني، إن الجو الحار يساهم في رفع جزيئات الميكروبلاستيك عاليًا مع الهواء إلى المناطق المرتفعة. قارن ماتياس في حديثه لوكالة الانباء الألمانية انطلاق وارتفاع ذرات السخام من البراكين، وفي الصحاري الحارة، بطريقة ارتفاع الميكروبلاستيك إلى الطبقات العالية من الجو مع الهواء الحار.

وفي المدن يعتبر احتكاك إطارات السيارات بأسفلت الشوارع من أهم أسباب انطلاق الميكروبلاستيك في الجو. وطبيعي أن تتفاقم الحالة في فصل الصيف، وترتفع هذه الجزيئات إلى أعالي المباني.

أقمشة "الفليس" تلوث المياه بالميكروبلاستيك
كشف بحث أميركي أن أقمشة "الفليس"، وغيرها من الأقمشة الصناعية الحديثة، مصدر آخر لانتشار الميكروبلاستيك في المياه.
إذ أصبحت أنسجة "الفليس" موضة ثابتة في الملابس منذ سنوات، فهي دافئة وسهلة الغسل، و"تتنفس" عند استخدامها في صناعة الملابس الرياضية. لكن هذه الملابس لا تخلو من خطر تلويث البيئة بالبلاستيك، كما تكشف ذلك دراسة أميركية جديدة.

يقول نيكو هارتلاين وزملاؤه من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا إنهم أخضعوا الأنسجة الاصطناعية، وخصوصًا الفليس، إلى الغسل بوساطة الغسالات الكهربائية، واتضح لهم أن كنزة الفليس تطلق 2 غرام من الجزيئات البلاستيكية في كل مرة عند غسلها. والمشكلة أن هذه الكمية تزداد كلما كانت الكنزة أقدم، ومع ازدياد عدد مرات الغسل.

المشكلة الثانية في الفليس هي أن جزيئات الميكروبلاستيك التي تتسرب من الغسّالة إلى المجاري، لا ترشحها الأجهزة المستخدمة لفلترة مياه المجاري، وتتسلل بالتالي إلى الأنهار والبحار، وتاليًا إلى كامل دورة المياه.

بل إن ملابس الفليس أطلقت 2 غرام من الميكروبلاستيك في ماء الغسيل، رغم عدم استخدام مسحوق غسيل، وهذا يشكل 0.3 في المائة من كتلة الملابس، وهي في الحالة الجافة. تضاعفت هذه الكمية 7 مرات عند استخدام غسالات كهربائية تفتح من الأعلى (توبلادر) في غسل الفليس.