التجارب السابقة في تدخل الجيوش العربية في سياسة بلدانها لا تبشر بالخير، فلم يكن&الوضع مختلفًا في السودان والجزائر. من هذا المنطلق، لا يؤيد قراء "إيلاف" دور الجيشين السوداني والجزائري في أزمتي البلدين.

إيلاف من لندن: مهما اختلف المراقبون والمحللون في تصنيف ما حصل ويحصل في السودان والجزائر، يبقى الحراك في هذين البلدين مؤثرًا على الساحة العربية، التي سادها أمل "الربيع العربي" لحظات، حتى استعادت الأنظمة القديمة أنفاسها، خصوصًا العسكرية منها، لتشن ثورات مضادة. دور الجندي العربي في هذه الثورات مثار جدال ودراسات كثيرة. اليوم، تسأل&"إيلاف" قارئها: "هل تدعم دور الجيش في حل أزمات السودان والجزائر؟".&

شارك في هذا الاستفتاء 787 قارئًا، أجاب 371 منهم بـ "نعم"، بنسبة 47 في المئة، بينما أجاب 416 منهم بـ "لا"، بنسبة 53 في المئة.

الجيش انحاز

في السودان، كان يوم 6 أبريل الجاري نقطة تحول في الحراك المستمر منذ 19 ديسمبر الماضي، إذ لأول مرة، تدخل عناصر من الجيش السوداني لحماية المتظاهرين المعتصمين أمام مقر وزارة الدفاع السودانية بالخرطوم للمطالبة جينها بتنحي الرئيس عمر البشير. فحين حاولت قوات الأمن تفريق المتظاهرين بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، حال الجيش دون ذلك، فسقط أحد عناصره قتيلًا.

في الليلة نفسها، اجتمع مجلس الدفاع الوطني بالبشير لبحث أزمة المعتصمين، وخرج المجتمعون بعدة قرارات بينها فرض حظر التجوال وفض الاعتصام بالقوة، لكن بقي الاعتصام، فكان ذلك أول ما أثار التساؤلات حول موقف الجيش من الاحتجاجات ودوره في المشهد السياسي المستقبلي في السودان.

حينها، قال محمد الأسباطي، القيادي في تجمع المهنيين، إن الجيش انحاز عمليًا إلى الشعب. وقالت النخب السودانية إن المؤسسة العسكرية تقف مع التغيير، بل هي من تضمنه.
&
مع التغيير.. ولكن!

وقف الجيش السوداني فعليًا مع التغيير، وعزل الجيش البشير في 11 أبريل،، ونُقل إلى سجن كوبر شديد الحراسة في الخرطوم. وصار المجلس العسكري الانتقالي هو الحاكم الفعلي في السودان، مهمن كان رئيسه. وقرر هذا المجلس السبت إحالة جميع من هم برتبة فريق بجهاز الأمن الوطني والمخابرات، وعددهم ثمانية، إلى التقاعد في إطار عملية إعادة هيكلة الجهاز.

لكن، هل يسلم الجيش السوداني السلطة إلى حكومة مدنية؟ قوى الحرية والتغيير المساندة للحراك الشعبي تطالب المجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة إلى مجلس سيادي مدني، يتولى مهام مرحلة ما بعد البشير. كما يتواصل الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني لليوم الخامس عشر، مطالبًا بنقل السلطة إلى مجلس مدني يمثل رأس الدولة. لكن، يبقى التساؤل مفتوحًا. فتاريخ العلاقة بين المدنيين والعسكريين في الأنظمة العربية يدل على أن العسكر متى وصولوا إلى السلطة، صعب عليهم تسليمها أو تمدينها.

الوقت بدأ ينفد

في الجزائر، تنحى عبد العزيز بوتفليقة عن سدة الرئاسة، بعدما أثارت نيته الترشح لولاية خامسة موجات صاخبة من الاحتجاج. لكن الحراك الجزائري لم يهمد. وفي يوم الجمعة الماضي، &عاد مئات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع الجزائر مطالبين بتغيير ديمقراطي شامل يتجاوز استقالة بوتفليقة، في مسيرات سلمية شأنها شأن معظم التظاهرات في البلاد خلال الشهرين الأخيرين.

طالب المحتجون عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، بترك منصبه كرئيس موقت للبلاد، ونور الدين بدوي بالتنحي عن منصب رئيس الوزراء الموقت، ومعاذ بوشارب، رئيس حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، بالاستقالة.

وقال الفريق أحمد قايد صالح، قائد الجيش، الثلاثاء إن الجيش يدرس كل الخيارات لحل الأزمة السياسية، محذرًا من أن الوقت بدأ ينفد، في تلميح إلى أن صبر الجيش الجزائري بدأ ينفد إزاء الاحتجاجات الشعبية التي تهز الجزائر، وهي مُصدر كبير للنفط والغاز الطبيعي وشريك أمني رئيسي للغرب في مواجهة المتشددين الإسلاميين في شمال وغرب أفريقيا.

لم يحدد صالح الإجراءات التي قد يتخذها الجيش، لكنه قال: "الجيش لا يطمح سوى إلى حماية الأمة".

دور مهم

كان الجيش الجزائري لعب دورًا مهمًا في إنهاء عهد بوتفليقة. فبعدما رد على الاحتجاجات الواسعة بإلقاء خطابات ابتعد فيها عن السياسة، محاولًا التركيز على دور الجيش في حماية البلاد، فاجأ الفريق أحمد قايد صالح الجميع بطلبه في خطاب بثته قنوات جزائرية تطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري، ما عنى حينها أن الجيش الجزائري رغب في أن ينتهي عهد بوتفليقة سريعًا. والمادة 102 هي التي تنظم ملء فراغ رئاسة الجمهورية متى حصل.

فأحمد قايد صالح رغب باستمرار بوتفليقة في منصبه، وهو من دافع عن ولاية رابعة لبوتفليقة في عام 2014. ووقف في وجه الحراك قائلًا في فبراير الماضي: "هل يُعقل دفع بعض الجزائريين نحو المجهول بنداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ المغرر بهم إلى مسالك غير مؤمنة العواقب؟". بعدها، رفع ورقة العشرية السوداء في مارس الماضي عندما تحدث عن أطراف تريد إعادة الجزائر إلى "سنوات الألم والجمر". ثم لان بعد ذلك، ففي خطاب ألقاه &في 11 مارس، قال: "لا شك أن الجزائر محظوظة بشعبها ولا شك أيضًا أن الجيش الوطني الشعبي هو أيضًا محظوظ بشعبه"، متحدثًا عن نظرة مستقبلية واحدة تجمع الشعب والجيش. وفي يوم 18 مارس، قال قايد صالح إن المشاكل لا تبقى من دون حلول ، وإن الجيش هو الحصن الحصين للشعب والوطن. وكان هذا إيذان بقُرب تدخل الجيش في الأزمة. وكان بعدها الطلب بتطبيق المادة 102... فتنحى بوتفليقة.

ضالع في السياسة

الجيش في الجزائر ضالع جدًا في السياسة. فمنذ انقلاب هواري بومدين على أحمد بن بلة في عام 1965، تغلغل الجيش في مفاصل الحياة السياسية الجزائرية، وترسخ فيها حتى تمكن في عام 1991 من إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها الإسلاميون. وأبقى الجيش الجزائري معظم رؤساء الجمهورية تحت جناحه، ومنهم من كانوا، قبل توّلي الرئاسة، في وزارة الدفاع مثل بومدين والشاذلي بن جديد واليمين زروال. وبوتفليقة نفسه ترشح للرئاسة بوصفه حرًا في عام 1999، لكن وصوله إلى هذه المنصب ما كان ليحصل لولا موافقة الجيش.

في سنوات العشرية السوداء، زادت سطوة الجيش أكثر فأكثر، وهو من أسس المجلس الأعلى للدولة الذي أدار الجزائر في العلن، فضلاً عن دخول الجيش بقوة في المواجهات الدامية ضد الجماعات الإسلامية.

اليوم، تقول النخب الجزائرية إن احتمال عودة الحكم المدني، المنفصل عن ظل الجيش، ضئيل. فالمؤسسة العسكرية الجزائرية راسخة في الحياة السياسية الجزائرية، حتى أنها تمثل ما يسمى بالدولة العميقة، التي لا تسهل&زعزعة وجودها وتأثيرها في السياسة.