الجزائر: توفي عباسي مدني، الزعيم التاريخي للجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، التي أسسها بهدف إقامة دولة إسلامية في الجزائر، عن عمر يناهز 88 عامًا، الأربعاء، في الدوحة، حيث كان يقيم في المنفى منذ 2003.

قال علي بلحاج، المسؤول السابق في الجبهة، والمقرب من مدني، لوكالة فرانس برس، إن الأخير "توفي في مستشفى في الدوحة بعد مرض عضال"، موضحًا أنه تبلغ بالوفاة من العائلة.

وكان مدني من دعاة تأسيس دولة إسلامية في الجزائر، ودعا إلى الكفاح المسلح بعدما أبطل الجيش الجزائري في 1992 نتيجة الانتخابات التعددية الأولى في البلاد التي فازت بها آنذاك الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وتمّ حلّ الجبهة. تلت ذلك حرب أهلية دامية عرفت بـ"العشرية السوداء" خلّفت أكثر من مئتي ألف قتيل.

وأكد مدني مزراق، الزعيم السابق لـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ"، الذراع العسكرية للجبهة، لفرانس برس، وفاة مدني، مشيرًا إلى أنه بدوره تبلّغ بخبر الوفاة من العائلة.

دفن في الجزائر؟
أوردت وكالة الأنباء الجزائرية نبأ الوفاة، مشيرة إلى أنه كان يعاني من مرض قرحة المعدة وضغط الدم، حيث لازم المستشفى لأيام في قطر.

قال بلحاج، الذي شارك مع مدني في تأسيس الجبهة، إن مدني "أراد أن يدفن في الجزائر، لكن لا أعلم إن كان ذلك ممكنًا"، مشيرًا إلى أن الأمر يتوقف على السلطات الجزائرية، مؤكدًا أن وفاة مدني تترك "فراغًا كبيرًا"، وأنه كان "رفيقًا في النضال".

لكن بالنسبة إلى العديد من الجزائريين، فإن اسمي عباسي مدني والجبهة الإسلامية للانقاذ يرتبطان بالحرب الأهلية الجزائرية أو ما تسمى بـ"العشرية السوداء"، التي أغرقت الجزائر في أعمال عنف، على خلفية إلغاء نتائج انتخابات برلمانية، فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، قبل أن تحظرها السلطات.

وقد أدى النزاع المسلّح بين قوات الأمن الجزائرية والجماعات الإسلامية إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين في اعتداءات ومجازر نُسبت إلى الإسلاميين.

وكان مدني الذي أودع السجن في يونيو 1991 دعا للمرة الأولى إلى وضع حد لأعمال العنف في يونيو 1999 حين أعلن "الجيش الإسلامي للإنقاذ" إلقاء السلاح. ولطالما اشتُبه في أنه يدير من سجنه سرًا عمليات الفصيل المسلّح.

أطلق سراح مدني في يوليو 2003 بعدما صدرت بحقه عقوبة بالحبس 12 عامًا، قضاها بين الزنزانة والإقامة الجبرية، لإدانته بالمساس بأمن الدولة، وقد منع من ممارسة أي نشاط سياسي.

وبعدما دعا مجددًا إلى وقف النزاع المسلّح، غادر مدني الجزائر لأسباب صحية، وأقام في ماليزيا ثم في السعودية وقطر، حيث بقي حتى وفاته. وكان ابتعد عن الأضواء، إلا أنه أبدى مرارًا رفضه لما اعتبره "الاحتلال الأميركي للعراق". وكان دعا من الدوحة الجزائريين إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية في الجزائر، معتبرًا أنها تجري في ظل "نظام غير شرعي".

من دعاة الحكم الإسلامي
وكان النواب الجزائريون أقرّوا في عام 2011 قانونًا يحول دون عودة الجبهة الإسلامية للانقاذ إلى الساحة السياسية. وقد جاء في نصه "يمنع تأسيس حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه أو هيئاته المسيرة على كل شخص مسؤول عن استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية".

وأوردت الوكالة الجزائرية أن عباسي مدني من مواليد عام 1931 في مدينة سيدي عقبة (بسكرة)، وقد انضم إلى صفوف الثورة التحريرية مبكرًا، واعتقلته السلطات الاستعمارية في سنة 1954، وبقي في السجن لغاية سنة 1962.

عمل مدني أستاذًا في جامعة بوزريعة في الجزائر العاصمة، ودعا إلى حكم إسلامي في البلاد، ما كلّفه حكمًا بالحبس في ثمانينيات القرن الماضي. حوّل مدني المساجد إلى منابر سياسية، وقد أسس مع قادة إسلاميين الجبهة الإسلامية للإنقاذ للمطالبة بإصلاحات ولا سيما التعددية السياسية.

وبعد عام من تأسيسها تصدرت الجبهة بداية التسعينيات نتائج الانتخابات البلدية ثم التشريعية. وبعد تحقيق الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزًا كبيرًا في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية قرّرت السلطات الجزائرية إلغاء الانتخابات وحظر الجبهة.
&