& باريس: يقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مجازفة كبرى في النزاع الليبي بإعطائه شرعية دولية للمشير خليفة حفتر الذي يشن اليوم هجوما على طرابلس يهدد بإسقاط كل جهود السلام في هذا البلد.

وقام ماكرون فور توليه الرئاسة بمحاولة وساطة جريئة في النزاع الليبي، فدعا قائد "الجيش الوطني الليبي" خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا فايز السراج إلى باريس في تموز/يوليو 2017، ثم في ايار/مايو 2018.

وبعدما كان الدعم لحفتر محصورا خصوصا في ذلك الحين بالإمارات العربية المتحدة ومصر، فهو اليوم يحظى باعتراف تام على الساحة الدولية، غير أنه تحدّى هذا الاعتراف بشنه هجوما في الرابع من نيسان/أبريل على العاصمة طرابلس.

وترى الأستاذة المتخصصة في شؤون ليبيا في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا (إيطاليا) فيرجيني كولومبييه أن "دعوة الرئيس ماكرون بدلت تماما موقع حفتر وصورته، منحته شرعية أقرب إلى شرعية رئيس دولة".

وتجد فرنسا نفسها الآن في الخطوط الأمامية بعدما سعت للإمساك بالملف الليبي مثيرة &استياء إيطاليا، القوة المستعمرة السابقة في هذا البلد، وهي متهمة بـ"التواطؤ" مع المشير حفتر في "مغامرته" العسكرية.

وقال رئيس الوزراء الليبي لصحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية الأربعاء "نحن متفاجئون لأن فرنسا لا تدعم حكومتنا الديموقراطية بل تساند ديكتاتورا".

ويعرب البعض في باريس عن "دهشته" لهذه "المحاسبة على النوايا" التي تلقي بظلها على دبلوماسية ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان، مهندس التقارب مع حفتر.

- "نقض" للدبلوماسية -&

وأقر مصدر دبلوماسي بأن فرنسا دعمت المشير حفتر في "حربه على الإرهاب" في شرق ليبيا وجنوبها، بإمداده خصوصا بالمعلومات الاستخباراتية.

لكن المصدر شدد على أن باريس تعارض الهجوم على طرابلس. وقال "اصبنا بالذهول" في الرابع من نيسان/أبريل عند بدء الحملة، مؤكدا عدم تلقي أي معلومات مسبقة حول الاستعدادات لتنفيذ العملية.

ومهما يكن، فإن "الأضرار جسيمة على صعيد الصورة والدبلوماسية"، وفق فرجيني كولومبييه.

وتوضح الباحثة أن "فرنسا فقدت أي مصداقية برأي قسم من الأطراف الليبيين"، مشيرة أيضا إلى "الأضرار على صعيد العلاقات مع الشركاء الأوروبيين" الذين لم يكونوا بالضرورة راضين على تحرك فرنسا من طرف واحد.

وإن كانت روسيا والرئيس الأميركي دونالد ترامب أبديا دعمهما للمشير حفتر، إلا أنهما ما زالا بمنأى عن الانتقادات. وتقول كولومبييه إن "الأميركيين كانوا أقل حضورا منذ 2012، وبالتالي لا يشار إليهم بأصابع الاتهام بالقدر نفسه".

ويوضح المستشار الخاص في معهد مونتينيي للدراسات الفرنسي ميشال دوكلو لفرانس برس أن "الآخرين كانوا أكثر حذاقة منا. من مساوئ الفرنسيين أنهم يضعون أنفسهم تحت الأضواء".

ويرى السفير السابق أن الهجوم على طرابلس يشكل "نقضا هائلا" للدبلوماسية الفرنسية، لا سيما مع قيام لودريان بزيارة حفتر في مقره قرب بنغازي (شرق) في 18 آذار/مارس، قبل وقت قصير من شن الهجوم.

- "رسائل" -

ويقول دوكلو في تحليل إن "الدبلوماسية الفرنسية تقدم على رهان هائل في هذه القضية على صعيد صورتها. فهي أعطت الانطباع خلال السنوات الأخيرة بأنها تورط نفسها مع مشروع ديكتاتور".

ويتابع "هذا الموقف الذي ينطوي على مجازفة يمكن أن يلقى تبريرا اليوم إن كان يمنحها السبل لتمرير رسائل مقنعة إلى المشير حفتر لوقف المعارك".

ويؤكد وزير الخارجية الذي التقى أيضا فايز سراج في طرابلس خلال زيارته الرابعة إلى ليبيا في 18 شهرا، أنه وجه&إلى الطرفين الرسالة ذاتها، بأنه "ينبغي الالتزام باتفاق" السياسي الموقع في 27 شباط/فبراير في أبو ظبي برعاية الأمم المتحدة.

وتقول مصادر دبلوماسية في باريس "لا أحد يلتزم بالتعهدات"، معتبرة أن رئيس الوزراء الليبي "معزول" بشكل متزايد و"يعول على الميليشيات" الإسلامية.

وما يؤجج العداء لفرنسا اليوم الشبكات المرتبطة بهذه الجماعات، وفي طليعتها الإخوان المسلمون، بحسب ما يقول المصدر ذاته بدون أن يشير صراحة إلى قطر أو تركيا، الطرفين الداعمين تقليديا لبعض الفصائل في طرابلس.

وتنفي فرنسا أن تكون لديها أجندة خفية مع المشير حفتر الذي يبدو هجومه على العاصمة في طريق مسدود، وهي تدعو إلى وقف إطلاق نار فوري والعودة إلى العملية السياسية.

ويقول ميشال دوكلو "لدينا أكثر من سوانا مصلحة أساسية في حصول وقف لإطلاق النار"، في إشارة إلى عزلة فرنسا في هذا الملف.
&