أُجري&في ألمانيا العديد من الدراسات حول تأثير ضجيج الطائرات على الأطفال المقيمين في الأحياء القريبة من المطارات، لكن دراسة وكالة الفضاء الألمانية الحالية قاست نسبة الضجيج في غرف نوم الأطفال هذه المرة.

إيلاف من كولون: يتسبب الضجيج بموت 2000 أوروبي سنوياً، بحسب إحصائيات المفوضية الصحية في الاتحاد الأوروبي. وتتراوح مضاعفات الضجيج بين الطرش وثقل السمع وأمراض القلب والدورة الدموية والاكتئاب وضعف التركيز...إلخ.&

إلا أن مضاعفات الضجيج على الأطفال لم تنل ما تستحقه من اهتمام حتى الآن، بحسب رأي علماء وكالة الفضاء الألمانية، التي تتخذ من كولون (غرب) مقراً لها، ولهذا فقد عمدوا إلى دراسة تأثيرات الضجيج المسائي على الأطفال في محيط مطار كولون-بون في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا.

ويعود الفضل في الدراسة إلى اوديت وهانز ايكسنر، وهما طبيبان ألمانيان يعيشان مع ابنتهما الصغيرة يوهانا على بعد 5 كم من مطار كولون، وتثبتا من تأثيرات الضجيج على دماغ ابنتهما الصغيرة بواسطة جهاز تخطيط الدماغ. وسبق أن لاحظ الطبيبان تأثير ضجيج الطيران المسائي على قلب ابنتهما بواسطة جهاز تخطيط القلب.

ويعتبر هذا المطار من أهم مطارات ألمانيا رغم انتقال العاصمة من بون إلى برلين، حيث كان في السابق مطار العاصمة أيضاً. ويتميز مطار كولون-بون عن غيره من المطارات الألمانية بسعة حركة الطائرات العسكرية التابعة لحلف الناتو &منه وإليه.

الضجيج يسلب الأطفال نومهم العميق

وكانت يوهانا واحدة من51 طفلاً، من تلاميذ المدارس الابتدائية، الذين يعيشون في أحياء مدينة كولون التي تقع في محيط 5 كم من المطار، ووافق أهاليهم على المشاركة في تجارب وكالة الفضاء الألمانية.

وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفاجئة مفادها أن الأطفال يعانون كثيراً من الضجيج المسائي، إلا أنهم لا يشعرون بذلك، لا تظهر التأثيرات المباشرة للضجيج عليهم في الصباح كما تظهر على البالغين.

كانت نوعية النوم عند الأطفال أسوأ من نوعية نوم الأطفال المقيمين بعيداً عن المطار، وأسوأ من نوعية نوم البالغين. ورصد الخبراء ان مرحلة النوم العميق عند هؤلاء الأطفال أقصر بنسبة 2.6%من نفس المرحلة عند الأطفال المقيمين بعيداً عن المطار. وهي مرحلة مهمة جداً (النوم العميق) في نمو قابليات الطفل الجسمانية والعقلية واستعادة النشاط.

وقالت زوزانة بارتلز، رئيسة المشروع من وكالة الفضاء الألمانية، إن الأطفال (وكانوا من سن تتراوح بين 8-10 سنوات) لم يلاحظوا ذلك في الصباح حينما سئلوا عن استغراقهم في النوم، وعن نشاطهم وعن شعورهم بالتعب.

من أجل التوصل إلى هذه النتائج حولت زوزانة بارتلز وزميلتها جوليا كويل غرف الأطفال المشاركين في التجربة إلى مختبرات نوم مصغرة. وربطت الباحثتان رؤوس الأطفال بأجهزة تخطيط الدماغ، وأجهزة تخطيط القلب، وأجهزة قراءة رمش العين عند النوم، وأجهزة قياس ضغط الدم....إلخ كما استجوبوا الأطفال صباحاً كل يوم عن نومهم وصحتهم طوال أيام التجربة.

تأثير مختلف للضجيج على الأطفال

وقالت بارتلز إنهم توصلوا إلى أن الضجيج لا يلعب دوراً في حياة الأطفال اليومية كما هي الحال مع البالغين. كما لا يستيقظ الأطفال من النوم، كما هي الحال مع البالغين، حينما يرتفع معدل الضجيج في محيط نومهم.

لاينعكس الضجيج بفورات غضب وانزعاج عند الأطفال كما يحصل ذلك عند الكبار، مع ملاحظة ان رد فعل البالغين وحساسيتهم للضجيج تختلف من شخص إلى آخر أيضاً.

يثبت ذلك ان أهالي الأطفال اجمعوا على ان أطفالهم لا يستيقظون في المساء على ضجيج الطائرات كما يحصل معهم، كما أن أطفالهم لايشعرون صباحاً بالتعب قبل الذهاب إلى المدرسة. وذكر والدا يوهانا ايكسنر ان ابنتهما تستيقظ نشطة صباحاً وأن درجاتها في المدرسة الابتدائية جيدة، لكنها لا تشعر بالتأثير غير المباشر للضجيج في هذا العمر.

الضجيج المسائي يضعف مناعة الأطفال و قابلياتهم على التعلم

وتوصلت دراسة ألمانية سابقة، من إعداد "شاريتيه برلين"، وهي مدرسة طبية في برلين، إلى نتائج مهمة عن تأثير الضجيج على الأطفال، إلا أن الدراسة أجريت في المصحات.

وأشارت الدراسة السابقة إلى أن الضجيج يضعف مناعة الأطفال، ويعزز مخاطر إصابتهم بأمراض بالحساسيات ويضعف قدراتهم على التعلم. وشملت الدراسة حوالي 400 طفل تتراوح أعمارهم بين 5-11 سنة يعيشون في منطقة اوستيرودة وخضعوا لإشراف الأطباء المختصين طوال شهر في أحد المصحات.

وقدر الأطباء في نهاية الدراسة ان17% من هؤلاء الأطفال يعانون من "توتر عالٍ" سببه ضجيج الشوارع في مناطقهم السكنية التي تعتبر من المناطق الهادئة مقارنة بالمدن الكبيرة. هذا إضافة الى نسبة 29% من يعانون من "توتر متوسط" سببه الضجيج ونسبة 54% تعاني من "ضغط منخفض".

علاقة ظاهرة بين الضجيج وأمراض الأطفال

وثبت من خلال الفحص الطبي وجود علاقة أكيدة بين الأمراض التي يعاني منها الأطفال وبين الضجيج والمواد الضارة الصادرين عن حركة النقل. واتضح ان الصبيان والبنات الذين صنفوا ضمن المعرضين لتوتر عالٍ أو متوسط معرضون 5 مرات أكثر من غيرهم للإصابة بالتهابات القصبات الهوائية، و ثلاث مرات &أكثر للجلاد العصبي في الجلد.&

وحينما قارن الأطباء النتائج بين التلاميذ الذين يعيشون قرب الشوارع العامة والتلاميذ الذين يعيشون في القرى تبين ان الأوائل اكثر عرضة ثلاث مرات من الأخيرين لاختلال الشخصية والسلوك.

ويتسبب الضجيج عادة بإصابة الإنسان بالتوتر وهي حالة تتبدى بوضوح بين الأطفال حسب تقدير رئيس فريق العمل الدكتور هارتموت ايزينغ المختص بأمراض الضجيج. إلا أن تأثير الضجيج على الأطفال يزداد مساء وخصوصاً عند الأطفال الذين يرتفع مستوى الضجيج الذي يتسلل الى غرفهم الى 55 ديسبل. ويصبح هؤلاء الأطفال مع مرور الوقت أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالصداع النصفي (الشقيقة) وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، بل وحتى الإصابة بالأمراض السرطانية.

ويرتفع خطر ضغط الدم العالي عند هؤلاء الأطفال مرتين عنه عند الأطفال الاعتياديين. كما يعاني الأطفال المعرضون لضجيج المساء، وخصوصاً قرب المطارات، من مشاكل بدنية سببها كثرة إفراز هرمونات التوتر مثل الادرينالين والنورادرينالين والكورتيزول.&