مصراتة: تعدّ نساء ليبيات أكثر من عشرة آلاف وجبة طعام، ترسل يوميا مرفقة برسائل تشجيع ومحبة، الى المقاتلين المتحدرين من مدينة مصراتة الذين يقاتلون ضد قوات المشير خليفة حفتر جنوب طرابلس.

وشارك أبناء مصراتة، المدينة التي لعبت دورا أساسيا في الانتفاضة ضد الزعيم الليبي معمر القذافي، في كل المعارك منذ العام 2011، تاريخ سقوط العقيد القذافي، مرورا بحرب "فجر ليبيا" عام 2014 للسيطرة على العاصمة، وصولا إلى معارك تحرير سرت الساحلية من تنظيم الدولة الإسلامية عام 2016 . وتشارك قوات مصراتة اليوم في المعارك الدائرة على تخوم العاصمة طرابلس منذ أكثر من شهر.

في الثامنة من كل صباح، تأتي نوارة علي (55 عاما) إلى مقرّ جمعية خيرية بوسط مصراتة، لتقوم مع العشرات غيرها من أمهات المقاتلين بتجهيز وجبات إفطار رمضانية. وهي أم لستة أبناء يقاتل أربعة منهم في المعركة.&

يبدو الإجهاد على محياها، لكنها تشعر بسعادة كبرى، كونها تعدّ بيديها الطعام لأبنائها ورفاقهم من المقاتلين.

وتقول نوارة وهي تتنقل بنشاط بين غرف جهزتها جمعية "النرجس" الخيرية لتكون مطبخا متكاملا، "على الرغم من الإرهاق والصيام في شهر رمضان، أشعر بسعادة أثناء قدومي لهذا المكان حيث أساعد في إعداد الطعام لأبنائنا من المقاتلين".

وتروي الأم لوكالة فرانس برس "حاليا أبنائي يقاتلون للدفاع عن طرابلس عاصمة ليبيا (...)، الجميع يسألني عن جدوى ترك أبنائي يقاتلون وما إذا كنت أخاف فقدانهم، أجيبهم بأن ليبيا تستحق التضحية".

وتضيف "الحرية دُفع ثمنها أرواح الآلاف من شبابنا في الأعوام الأخيرة" .

في المطبخ المفتوح لإعداد وجبات الطعام للمقاتلين منذ بداية الحرب على طرابلس، تتجمع أكثر من مئة امرأة على فترتين مسائية وصباحية يومياً، بعضهن يحضرن المعجنات وأخريات يجهزن الحلوى. العمل أشبه بخلية نحل ويسود المكان نظام ودقة في العمل.

في شهر رمضان لم يتغير الأمر، سوى أن القائمات عليه يجهزن لوجبة الإفطار الرئيسية.

وتوضح حليمة القمودي، إحدى المشرفات من الجمعية على العمل في المطبخ، "كل امرأة هنا تحمل في جعبتها قصة لابن أو زوج أو أخ شهيد. وعلى الرغم من الألم، لديهن العزيمة والأمل بأن ليبيا المدنية تستحق التضحية".

وتقوم 16 جمعية خيرية في مدينة مصراتة بإعداد أكثر من 10 آلاف وجبة للمقاتلين المتحدرين من المدينة. وتعد جمعية "النرجس" الخيرية الأبرز كونها تقدم قرابة ألفي وجبة يوميا.

- رسائل تحفيز -
وتجلس النسوة في المطبخ على شكل حلقات، وأمامهن الأواني والسكاكين... يقطعن الخضار ويقلين الطعام بالزيت ويعجنن الدقيق، واللافت أنهن يعملن بينما يرددن عبارات التكبير وأهازيج النصر.

كما تقوم النسوة بكتابة ما يعرف باللهجة المحلية بـ(شتاو)، وهي عبارة عن رسائل تحفيزية، لأبنائهن الذين انقطعت أخبار بعضهم لفترة طويلة.

وتوضح زينب قطيش "لا نسمع أخبار عن أبنائنا المقاتلين في الجبهات لأيام طويلة، حتى التواصل هاتفيا في بعض الأحيان يتعذر، لذلك نرى أفضل طريقة للتواصل معهم عبر تشجيعهم والدعاء لهم بالنصر على العدو".

وتتابع "لدي صديقة اثنان من أبنائها في جبهات القتال بطرابلس. أخبرتني أن أحد أبنائها اتصل بها قبل أيام، وأخبرها بأنه تلقى رسائلها بحرارة وحماسة، وخففت عليه مرارة البعد منذ أكثر من شهر".

وعقب تجهيز الوجبات التي تتكون عادة من قطع اللحم والخبز والمعجنات، يوضع في كل صحن ورقي مغلف من البلاستيك، فوقه قصاصة ورقية فيها رسالة إما مكتوبة بخط اليد أو مطبوعة بخط منسق. والرسائل عبارة عن عبارات تحفيز ودعاء بالنصر والعودة الى مصراتة سالمين.

ومن هذه العبارات يالله يالله.. دمر حفتر واللي معاه"، " ثوار ثوار إلى آخر المشوار".

ويمثل مقاتلو مصراتة الواقعة على بعد 200 كلم شرق طرابلس، العدد الأكبر من القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني.

كما تعد "كتائب مصراتة" العسكرية الأكثر تجهيزا وتمرسا في القتال، خصوصا بعد قيادتها معارك تحرير مدينة سرت التي كانت المعقل الرئيسي للجهاديين في ليبيا والتي تبعد 450 كلم شرق طرابلس.

ويواصل المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، حملته العسكرية منذ الرابع من نيسان/أبريل للسيطرة على طرابلس، مقر حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

وأسفرت المعارك عن مقتل 454 شخصاً وإصابة ألفين، مع نزوح نحو 60 ألف من مناطق الاشتباكات، وفق آخر حصيلة لمنظمة الصحة العالمية.

وتقول فاطمة التي يطلق عليها اسم "أم الشهيد"، "نقوم بالدعاء والأهازيج أثناء إعداد الطعام، الأمر يؤثر في نفوسنا إيجاباً، ونشعر بالترابط والوحدة في مواجهة حرمان فقدان فلذات أكبادنا".

وتضيف "لم نأت بدعوة مسبقة، حضرنا بدافع وطني تطوعي (...)، أبناؤنا يقدمون دماءهم وأرواحهم الغالية، وإعداد وجبة لذيذة محاطة بالحب أقل واجب نقدمه لهم" .