صورة أتاتورك بين الأعلام
Getty Images

تحتفل تركيا في التاسع عشر من مايو / أيار بعيد الرياضة والشباب وإحياء ذكرى أتاتورك، إذ يوافق هذا اليوم بدء "حرب الاستقلال" التي قادها لتوحيد البلاد وإعلان الجمهورية.

وخاطب أردوغان المحتفلين وقال: "مثلما بدأ المناضل مصطفى كمال، نضاله في 19 مايو، مؤمنا بالحق (الله) والشعب فقط دون أن يلتفت لأولئك الذين خضعوا للاحتلال وكانوا يرون الخلاص في الانتداب، فإننا نسير اليوم على خطاه".

فمن هو مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا التي نعرفها اليوم؟

أتاتورك بالزي العسكري
Getty Images
والد أتاتورك وهبه للعسكرية، لكن لم يعش طويلا ليشهد تحقق هذه الأمنية

ولد مصطفى عام 1881 في منطقة سالونيكا باليونان (أصبحت الآن ثيسالونيكي)، وكانت منطقة تابعة للدولة العثمانية.

وكان أبوه - علي رضا - ضابطا برتبة ملازم في إحدى الميليشيات المحلية أثناء الحرب بين روسيا والدولة العثمانية عام 1877. ويُروى أن علي رضا علّق سيفه فوق مهد مصطفى يوم مولده، واهبا إياه للخدمة العسكرية.

ولم يشهد الأب تحقق حلمه وانضمام ابنه للعسكرية، إذ توفي ومصطفى بعمر السابعة. لكن مصطفى دائما ما شعر أن والده هو من "وضعه على أول طريق الحداثة"، إذ أصر على إلحاقه بالمدارس العلمانية الجديدة، وليس المدارس الدينية.

وفي المرحلة الثانوية، تقدم مصطفى لاختبارات المدارس العسكرية واجتازها. وهناك اكتسب اسم "كمال" الذي أطلقه عليه مدرس الرياضيات بسبب تفوقه، فأصبح يُعرف باسم "مصطفى كمال".

واكتسب اسم "أتاتورك" لاحقا بعد وصوله إلى الحكم، ويعني "أبو الأتراك".

الشاب المتمرد

والتحق بكلية الحرب في اسطنبول عام 1899، وهناك خاض أولى تجاربه السياسية، إذ انضم للحراك المناهض لحكم السلطان عبد الحميد الثاني.

وأنهى مصطفى كمال تعليمه العسكري عام 1905، متخرجا برتبة نقيب. وانضم إلى عدد من الوحدات العسكرية في دمشق واليونان، وأبرزها حرب البلقان عامي 1912 و1913.

وانضم أتاتورك إلى جمعية الاتحاد والترقي، التي كانت على صلة بحركة الأتراك الجدد التي أسقطت الخلافة العثمانية وعزلت السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909.

وفي مايو/أيار 1919، دشن أتاتورك حراكا ثوريا في الأناضول، احتجاجا على اتفاق سلام فرضه الحلفاء في الحرب العالمية الأولى على البلاد. وعُرف هذا الحراك لاحقا بحرب الاستقلال التي انتهت بالانتصار على اليونان، وإعادة النظر في الاتفاقية التي عُرفت لاحقا بـ"اتفاقية لوزان".

أتاتورك يحمل كأسا
Getty Images
أتاتورك تبنى جميع مظاهر الحياة الغربية وأدخلها إلى الحياة التركية

تأسيس الجمهورية

وبدأت نواة حكم أتاتورك في أنقرة، حيث أسس حكومة إقليمية عام 1921. ثم أُسقطت الخلافة في العام التالي، وأُعلنت الجمهورية التركية في أكتوبر/تشرين الأول 1923، وأتاتورك رئيسا لها، وعاصمتها أنقرة.

وأسس أتاتورك حزب الشعب الجمهوري، الذي هيمن على المشهد السياسي في البلاد حتى عام 1945. كما دشن سلسلة من الإجراءات التي صنعت تركيا التي نعرفها اليوم.

وقام حكم أتاتورك على ستة محاور، عُرفت في مجملها بـ "الكمالية"، وهي التي يقوم عليها الحزب حتى الآن.

وألغي أتاتورك العمل بالشريعة الإسلامية، فأغلق المدارس الإسلامية وحولها إلى مدارس علمانية، وألغى المحاكم الشرعية.

كما أبطل العمل بالشريعة الإسلامية في القانون عام 1926، وحلت بدلا منها مجموعة من القوانين الأوروبية، مثل القانون المدني السويسري، وقانون العقوبات الإيطالي، وقانون التجارة الألماني.

كذلك أمر بمنع تعدد الزوجات، واستبدال عقود الزواج المدنية بالزواج الشرعي. ثم في ديسمبر/كانون الأول 1934، منح النساء حق التصويت والترشح في البرلمان.

وحرص أتاتورك على أن يكون مظهر الأتراك غربيا مثل القوانين التي استقدمها، فمنع ارتداء الطربوش والجلباب الذي يرتديه رجال الدين. وتبنى بدلا منه الزي الغربي للرجال والنساء. وازدهرت صناعة القبعات الأوروبية في البلاد كبديل للطرابيش.

ثم في نوفمبر/تشرين الثاني 1928، أبطل كتابة اللغة التركية بالحروف العربية. وحلت محلها الحروف اللاتينية في الكتابة، لتصبح بالشكل الذي نراه اليوم. وجاء هذا التغيير مقرونا بحملة لتعليم الشعب الأبجدية الجديدة، والتي روج لها أتاتورك آنذاك على أنها حراك لمحو الأمية.

أتاتورك وابنته بالتبني
Getty Images
الطيارة صبيحة جوكشين تقبل يد أتاتورك، والدها بالتبني

وكان أتاتورك صارما في مواجهة أي حراك احتجاجي ضد سياساته، وقمع كل أشكال المعارضة. ولعل أبرز أشكال هذا القمع كان ضد ثورة الأكراد، التي خرجت في فبراير/شباط 1925، احتجاجا على سياساته المخالفة للإسلام. وأُخمد الحراك خلال شهرين، وانتهى بإعدام قائده.

ولم تكن حياة أتاتورك الشخصية بنفس ثراء حياته السياسية والعامة. وتزوج مرة واحدة من لطيفة هانم عام 1923، وهي امرأة متعلمة ومنفتحة على الأفكار الغربية التي دعا إليها. لكن الزواج لم يدم أكثر من عامين، عاش بعدهما أتاتورك وحيدا حتى وفاته إثر إصابته بتليف الكبد، في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1938.

وتُعرض كل متعلقات أتاتورك في ضريح ضخم في أنقرة، حيث دفن بين حفن من تراب جُمعت من جميع أنحاء تركيا.