في وقت تتصاعد التوتّرات الإيرانيّة الأميركيّة في الخليج، تسعى السعوديّة إلى تأكيد جهوزيّتها لكلّ الاحتمالات، بما في ذلك الحرب، ولإظهار دورها القيادي في المنطقة عبر استضافة قمّتين عربيّة وخليجيّة بهدف تشكيل تحالف أوسع ضدّ إيران.

إيلاف: يشهد الخليج حربًا نفسيّة بين إيران والولايات المتّحدة منذ تشديد واشنطن العقوبات النفطيّة على طهران في بداية مايو الحالي، ثم إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إرسال حاملة طائرات لمواجهة أيّ تهديدات أو أعمال انتقاميّة إيرانيّة. &

وكانت أربع سفن، بينها ثلاث ناقلات نفط، ترفع اثنتان منها علم السعودية، تعرّضت لأعمال "تخريبية" قبالة الإمارات خلال هذا الشهر، قبل أن يشنّ الحوثيون اليمنيّون المقرّبون من إيران هجومًا ضدّ محطّتَي ضخّ لخط أنابيب نفط رئيسي في السعودية بطائرات بلا طيّار.

وبينما لم تتّضح الجهة التي تقف خلف الاعتداء على السفن قرب إمارة الفجيرة، اتّهمت السعودية إيران بإعطاء الأوامر للحوثيين اليمنيّين بمهاجمة منشآتها النفطية قرب الرياض.

ثمّ دعت المملكة مساء السبت إلى عقد قمّتَين "طارئتين"، خليجيّة وعربيّة، للبحث في "الاعتداءات وتداعياتها على المنطقة (...) وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية"، في مكّة المكرمة في 30 مايو، عشيّة قمّة إسلاميّة تستضيفها مكة أيضًا.

في الوقت عينه، حذّر وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجيّة عادل الجبير في مؤتمر صحافي في الرياض الأحد من أنّ المملكة التي تقود تحالفًا عسكريًّا في اليمن، قادرة على مواجهة إيران عسكريًّا، رغم أنّها لا تسعى إلى الحرب.

وأوضح أنّ بلاده "لا تريد حربًا، ولا تسعى إلى ذلك، وستفعل ما بوسعها لمنع قيام هذه الحرب، وفي الوقت نفسه تؤكّد أنّه في حال اختيار الطرف الآخر الحرب، فإنّ المملكة ستردّ على ذلك بكلّ قوّة وحزم، وستدافع عن نفسها ومصالحها".

ترى إليزابيث ديكنسون المحلّلة في مجموعة الأزمات الدولية، أنّ "حملة الضغوط الأميركية على إيران لا تحظى بتأييد كبير في الغرب، لكنّ الرياض تريد أن تظهر (للعالم) أنّ المنطقة تؤيّد" هذه الضغوط. وأضافت أنّ السعودية "تبني، بنظرها، أقوى تحالف عربي إسلامي للتصدّي لإيران".

مخاطر التوترات&
في مقابل الاتّهامات السعوديّة والحديث عن احتمال نشوب حرب، تُقلّل إيران والولايات المتحدة من إمكان حصول نزاع مسلّح في المنطقة التي تخرج منها يوميًا نحو 35 في المئة من إمدادات النفط العالمية.

قال وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف في ختام زيارة للصين السبت، "إنّنا متأكّدون (...) لن تكون هناك حرب، لأنّنا لا نريد حربًا، ولا أحد لديه أوهام بأنّ بوسعه مواجهة إيران في المنطقة".

لكنّ قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي أقرّ السبت بأنّ بلاده منخرطة حاليًا في "حرب استخبارات شاملة" مع الولايات المتحدة.

وفي واشنطن، قال ترمب ردًا على سؤال عمّا إذا كانت الحرب ستندلع مع إيران "لا آمل في ذلك"، رغم أنّ التقارير الأميركية تفيد بأنّ مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يدفع باتّجاه تبنّي موقف أكثر تشدّدًا تجاه طهران.

توعّد ترمب الأحد بتدمير إيران في حال أقدمت على مهاجمة المصالح الأميركية. وكتب على تويتر "إذا أرادت إيران خوض حرب، فسيكون ذلك النهاية الرسميّة لإيران. لا تهددوا الولايات المتحدة مجدّدًا".

من جهتها، اكتفت الإمارات، أبرز حليف عربي للسعودية في المنطقة، بالدّعوة إلى خفض التوتّر نظرًا إلى حساسيّة المرحلة.

وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الأربعاء في دبي "نحن ملتزمون خفض التصعيد، والسّلام والاستقرار (...) علينا أن نلزم الحذر، وألا نطلق الاتّهامات".

أنظمة طفوليّة
من جانبها، قلّلت قطر من التوتّر المتصاعد، مشيرةً إلى أنّها لا تعتقد أنّ الولايات المتحدة أو إيران تريدان اندلاع حرب في المنطقة.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجيّة القطري سلطان المريخي لوكالة فرانس برس على هامش مؤتمر صحافي لصندوق قطر للتنمية "الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال إنّه لا يريد الحرب، ولا أعتقد أنّ إيران تريد الحرب أو عدم استقرار في المنطقة". وتابع "أعتقد إذا ابتعدنا عن الأنظمة الطفوليّة في المنطقة، كلّ المشكلات ستتمّ تسويتها".

وأوضح المريخي أنّ قطر، التي لا تزال معزولة من جيرانها الخليجيّين، لم تتلقَّ دعوة إلى حضور المؤتمرين. وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقتها مع قطر في يونيو 2017، متّهمةً الإمارة الصغيرة الغنيّة بالنفط بتمويل الإرهاب والتقرّب من إيران. وهي تُهم تنفيها الدوحة.

وبحسب تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى صدر بُعيد العمليّات "التخريبيّة" ضد السفن الأربع، فإنّه "في حال ظهر أنّ إيران هي المسؤولة، فسيؤيّد الحلفاء الخليجيّون مقاربة أشدّ، لكنّهم قد يرفضون الانجرار إلى مواجهة كبرى. ويحذّر محلّلون من أنّ أسعار النفط يمكن أن تشهد ارتفاعًا كبيرًا في حال اشتعل الوضع.&

وقال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجيّة أخيرًا إنّ الحوادث في الخليج "لم يكُن لها أي أثر فعلي على السعودية وعلى مستويات تصدير النفط الإقليميّة، لكنها أظهرت مخاطر التوترات الإقليمية المتصاعدة على أمن سوق النفط العالمية".&

وسعت السعودية إلى التشديد على هذا الأمر عبر القول إنّ الهجمات الأخيرة رسالة تحذير إلى الأسواق العالمية. وقالت الحكومة السعودية في بيان إنّ "الأعمال الإرهابية التخريبيّة ضدّ منشآت حيويّة (...) لا تستهدف المملكة فحسب، وإنما تستهدف أمان إمدادات الطاقة للعالم والاقتصاد العالمي".