استمرت التظاهرات لأسابيع متعددة أمام مدرسة أندرتون بارك
PA

أثارت دروس عن العلاقات الجنسية بين المثليين والمتحولين جنسيا احتجاجات أمام مدارس ابتدائية في مدينة برمنغهام البريطانية، كما تمخضت عن تحويل تلاميذ من فصول لأخرى، فضلا عن تهديد مديري تلك المدارس.

ولكن كيف بدأ الأمر؟

تفتّق ذهن أندرو موفات، وكيل مدرسة باركفيلد الأهلية في برمنغهام، عن مشروع عنوانه "لا للغرباء".

واستهدف موفات عبر هذا المشروع تعليم التلاميذ أشياء عن قانون المساواة الصادر في 2010 وعن القيم البريطانية. كما أراد موفات للتلاميذ أن "يزدهوا بأنفسهم على ما هم عليه من إدراك الاختلافات والتنوعات، والاحتفاء بذلك".

واستخدم المشروع كُتُبا تحكي عن كلب لا يشعر بالتكيف، وعن اثنين من ذكور البطريق يتبنيان معا بطريقا صغيرا، وعن ولد يروق له ارتداء ملابس الحوريات.

يقول موفات: "إن المشروع يستهدف تعليم الأطفال الصغار منذ استقبال حياتهم التعليمية وفي عامهم الدراسي الأول أننا مختلفون. إننا نتحدث عن أن نكون مختلفين وأصدقاء".

صورة: دشن أندرو موفات البرنامج لتعليم أطفال المدارس الابتدائية عن اختلاف العلاقات
BBC

وفي عام 2014، بدأ موفات تطبيق المشروع في مدرسته في منطقة ألوم روك في مدينة برمنغهام، وسرعان ما انتشرت الفكرة وتبنّته مدارس أخرى في أنحاء البلاد.

وبعد ثلاث سنوات كُلِّف موفات بالإشراف على ترسيخ قيم المساواة والتنوع في التعليم.

متى ثار الجدل؟

في يناير/كانون الثاني هذا العام، تقدمت والدة أحد التلاميذ في مدرسة باركفيلد بعريضة تشتكي فيها مخالفة التعليم في المدرسة لتعاليم العقيدة الإسلامية.

وقالت مريم أحمد: "الأطفال في هذه السن لا يعرفون حتى ما إذا كانوا قادمين أو ذاهبين، ناهيك عن معرفة التوجه الجنسي الذي سيتخذونه مستقبلا".

وبينما نصوص القرآن قابلة للتأويل، فإنه يحوي آيات يُفهم منها أن المثلية الجنسية ضد مشيئة الله.

وانعقدت اجتماعات بين موفات والآباء القلقين، لكن بعض الاجتماعات "اتخذت طابعا شخصيا وعدوانيا" بحسب بيان للمدرسة.

ولم تمض أيام حتى شرع الآباء في التظاهر أمام المدرسة، كما استُبقي الكثير من التلاميذ في بيوتهم.

كيف تعاملت المدرسة مع الغضب المتزايد؟

توقفت دروس "لا للغرباء" حتى يُسمَح للمدرسين "التواصل مرة أخرى مع الآباء"، بحسب موفات.

كما أوقفت أربع مدارس أخرى في برمنغهام دروسها في هذا الصدد.

لكن موجة التظاهرات لم تنحسر؛ بل إنها بدأت تنعقد بشكل يومي.

وقال موفات، وهو مثلي الجنس، لبي بي سي إنه متهّمٌ بالترويج لـ"معتقدات شخصية" وإنه تلقى "رسائل إلكترنية خطيرة" وتهديدات جاء في أحدها تحذير يقول: "لن تعمّر طويلا".

وانتشرت التظاهرات في مدارس أخرى في برمنغهام، بما في ذلك مدرسة أندرتون بارك الابتدائية، في منطقة بولسَل هيث في برمنغهام.

وقالت مديرة مدرسة أندرتون بارك الابتدائية، سارة هيويت كلاركسون، لمؤتمر الرابطة الوطنية لمديري المدارس في بريطانيا إن المتظاهرين من آباء التلاميذ رفعوا شعارات تقول: "آدم وإيف (حواء)، وليس آدم وستيف"، وأخرى تقول: "لنا كلمة فيما يتعلمونه".

مَن يقود التظاهرات؟

شارك أمير أحمد في تنظيم تظاهرات أمام مدارس ابتدائية في برمنغهام واستخدم مُكبّر صوت في مخاطبة أولياء الأمور وغيرهم من نشطاء الحملة في باركفيلد.

وعلى الرغم من أنه ليس لديه أطفال في أي من المدارس المعنية، إلا إنه قال إنه فعل ذلك بدافع من معتقداته الدينية ومخاوفه بشأن ما يتعلمه الأطفال في مجتمعه.

وقال أمير لبي بي سي: "نحن مجتمع تقليدي، لدينا قيم أُسرية تقليدية ولا نقبل على الصعيد الأخلاقي بالمثلية الجنسية كعلاقة".

"نحن لا نعتقد في المثلية الجنسية، لكن ذلك لا يجعلنا كارهين لها".

ونبّه أمير إلى أن الدروس لم تكن عن "حقوق المثليين والمساواة؛ وإنما هي تحتفي بأسلوب حياة المثليين وتحث عليه بين الأطفال".

وبسؤاله عما إذا كان يمكن دفع الأطفال على طريق المثلية، قال أمير: "نعم، يمكن تهيئتهم لذلك... وهذا يجعل الأطفال عابثين جنسيا وحائرين عندما يكبرون".

أين انتشرت التظاهرات؟

توصل تحقيق أجرته بي بي سي إلى أن خطابات رافضة لتعليم الأطفال أمورا عن العلاقات بين مثلي الجنس أُرسلَت إلى عدد من المدارس في أنحاء البلاد.

وأرسل آباءٌ مسلمون محافظون خطابات رافضة إلى مدارس في كل من برمنغهام، وبرادفورد، وبريستول، وكرويدون، وإيلينغ، ومانشستر، ونورثامبتون، ونوتينغهام.

وأرسل آباءٌ مسيحيون خطابات رافضة كذلك إلى مدارس في منطقة كِنت.

وأشارت تقارير إلى أن آباءً قلقين حوّلوا أبناءهم من مدارس في منطقة بريستول.

أرسل آباءٌ مسيحيون خطابات رافضة كذلك إلى مدارس في منطقة كِنت
PA

ماذا يقول المسؤولون عن التعليم؟

دعم مكتب معايير التعليم وخدمات الأطفال والمهارات في بريطانيا (أوفستد) برنامج "لا للغرباء".

وقالت أماندا سبيلمان، مديرة مكتب "أوفستد"، إن كل الأطفال يجب أن يتعلموا أمورا عن زواج المثليين بغض النظر عن خلفيتهم الدينية.

ورأت سبيلمان أنه كان ضروريا أن يتعرف الأطفال على أن ثمة اختلافات في المجتمع، كما كان مُهمًا أن يعرف الأطفال أن ثمة "عائلات يقودها ذكران أو أنثيان".

كما كشف تقرير أصدره مكتب "أوفستد" عن أنه لا يوجد دليل على تركيز المنهج في باركفيلد بشكل صريح على قضايا المثليين والمتحولين ومزدوجي الجنس، أو أن هذا المنهج كان يُدرَّس بطريقة لا تتناسب مع الفئة العمرية المستهدفة.

وقال وزير التعليم داميان هيندز إن المدارس الابتدائية ينبغي أن تكون قادرة على اختيار ما تدرّسه بشأن علاقات المثليين، إذا هي "اعتبرت ذلك مناسبا للفئة العمرية المستهدفة".

وفي خطاب لمديري المدارس، اقترح الوزير أن يستمعوا إلى وجهات نظر أولياء الأمور وأن يتفهموها بحيث تستطيع المدارس "زيادة الثقة في المنهج" لمساعدة التلاميذ في التأهل للحياة في مجتمع بريطاني حديث ومتنوع بعد مغادرة المدرسة.

وقال هيندز إن مديري المدارس ينبغي أن يستشيروا أولياء الأمور، لكنه استدرك وطمأن المديرين بأن أولياء الأمور لم يكن لهم الحق في الاعتراض على ما تم تدريسه.

وتقول وزارة التعليم إن دروس العلاقات ستصبح إجبارية ابتداء من سبتمبر 2020.

كيف يتعامل المدرسون؟

كان لطول أمد الاعتراضات أثره على القائمين على التدريس.

تقول هيزِل بولي، الرئيسة التنفيذية للصندوق الائتماني الذي يدير مدرسة باركفيلد، إن عددا من هيئة التدريس فقد الكثير من وزنه ولم يعد يستطيع النوم.

وانخرط كثيرون في البكاء في اجتماع مشحون بالعاطفة في أبريل/نيسان المنصرم ضمّ 85 بينهم مديرو مدارس ومسؤولون من وزارة التعليم ومن مجلس مدينة برمنغهام.

وفي تغريدة على تويتر، قال روب كيلسال، أمين الرابطة الوطنية لمديري المدارس، إن "الحكومة بحاجة إلى تقديم مزيد من الدعم والتنظيم في هذا الصدد".

قالت سارة هيويت-كلاركسون إن التظاهرات الرافضة لدروس العلاقات المثلية في مدرستها كانت "عدوانية".
BBC

وعلى غرار موفات، تقول مديرة مدرسة أندرتون بارك إنها تلقت تهديدات عبر البريد الإلكتروني والهاتف.

وقالت هيويت كلاركسون: "ثمة خليط متنوع من المشاعر: خجلٌ لأن كثيرين في مجتمعنا وآباءنا يرون أن ما يحدث مريع؛ وإحباطٌ لأن الأمر طال أمده؛ وإحباط أيضا في ظل قوانين بريطانيا العظمى التي تسمح بالتظاهر سلميا، وهو في واقع الأمر ما يسبب لنا مشكلة".