الصويرة: "عندما يدعونا حوار الثقافات للقيام برحلة"، هكذا جاء عنوان الكلمة التقديمية للدورة الـ22 من "مهرجان كْناوة وموسيقى العالم"، التي اختتمت الأحد، بمدينة الصويرة المغربية.

هذه التظاهرة الفنية التي يتم اختصارها في كونها "مختبرا موسيقيا حقيقيا"، تجعل من الصويرة "أرضا للتشارك والتقاسم"، فيما تقدم "فرصة لمقابلة فنانين بارعين في مختلف الألوان الموسيقية، يحضرون ليثبتوا الروح العالمية للموسيقى".

من فعاليات الدورة الـ22 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة

بهجة موسيقية

لكونها اللغة التي يفهمها الكل، تعمل الموسيقى، كما يقول المنظمون،على "محاورتنا بكل النغمات والأصوات: الكوبية، الطوارق، التاميلية، الجاز، الفلامنكو، الريغي ... وحتما موسيقى كناوة، التي تكون في قلب هذه الحوارات، والتي هي دائمًا جاهزة لرفع التحديات وللاندماج مع الجميع، حيث يغني ويعزف أعظم المْعلمين والفنانين ذوي المواهب العظيمة، ويشاركون الكرم والإخلاص ولحظات فريدة واستثنائية من البهجة والاستكشاف الموسيقي".

من فعاليات الدورة الـ22 لمهرجان كناوة &بالصويرة

يمكن القول إن دورة هذه السنة، التي تواصلت على مدى ثلاثة أيام، حافظت، إلى حد بعيد، على عادة المهرجان في استقطاب جمهور غفير ومتنوع، غصت به جنبات مختلف الفضاءات التي احتضنت الحفلات الأربعين التي تضمنها البرنامج، فضلا عن فقرات التكريم والورشات و"شجرة الكلمات"، إلى جانب فعاليات الدورة الثامنة من "منتدى الصويرة لحقوق الإنسان"، الذي ناقش في دورة هذه السنة إشكالية كبرى في وقتنا الحاضر، تحت عنوان "قوة الثقافة في مواجهة ثقافة العنف".

سهرات وليلات

استقبلت "منصة مولاي الحسن"، على مدى أيام المهرجان، عروضا موسيقية لقيت تفاعلا كبيرا من طرف جمهور التظاهرة، بداية من الإقامة الفنية التي جمعت المْعلم حسن بوسو ونجم الرومبا الكوبي أوشين ديل مونتي، مرورا بالمْعلم معمر حياة وموح كوياكي والمْعلم عبد الكبير مرشان والمْعلم هشام مرشان ومجيد بقاس و"مجموعة كْناوة والجاز" والمْعلم مصطفى باقبو ومجموعة تيناروين والمْعلم حسن حكمون، وصولا إلى المْعلم عبد الرزاق الحاضر وسوشيلا رامان والمْعلم حميد القصري؛ فيما استقبلت "منصة الشاطئ" المْعلم سعيد بولحيمس وموغادور باند ونبيلة معان وإمديازن والمْعلم محمد كويو؛ و"منصة برج باب مراكش" أوشي نديل مونتي وماريا ديل مار ونبيلة معان.&

من فعاليات الدورة الـ22 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم

أما "دار الصويري"، فاستقبلت "الليلة الرباطية" مع المْعلم فتح الله شوقي والمْعلم رشيد لدحاس والمْعلم المحجوب الكوشي والمْعلم عبد الرزاق مستقيم، و"الليلة الصويرية" مع المْعلم مختار غينيا المْعلم سعيد البروقي والمْعلم عبد المالك القادري والمْعلم الصديق العرش والمْعلم عبد الرزاق السوداني، و"الليلة الشمالية"، تكريما لراندي ويستن، مع المْعلم عبد الواحد ستيتو والمْعلم عبد الواحد الغورد والمْعلم عبد القادر حدادة والمْعلم عبد المجيد الدمناتي.

جمهور غفير تابع فعاليات مهرجان كناوة

وشكلت "الليلات" الثلاث واحدة من الفقرات القوية وإحدى ميزات هذه الدورة، مشكلة "لحظات من السعادة الخالصة للعارفين"، التقى خلالها كبار المْعلمين بالجهات الثلاث الكبرى لـ"تكْناويت"، لمنح أفضل ما في ريبرتوار "كْناوة"، مع إضفاء لمسة مدارسهم المختلفة: طنجة و"الليلة الشمالية"، الصويرة و"الليلة الصويرية" والرباط و"الليلة الرباطية".

من جهتها، استقبلت "الزاوية العيساوية" المْعلم رشيد بنطير والمْعلم عبد الرحيم بنتهامي أوغسال والمْعلم مصطفى باقبو والمْعلم عبد السلام كردان والمْعلم كبيبر والمْعلم مولاي الطيب الذهبي. فيما استقبلت "دار لوبان" المْعلم عبد الله أخراز والمْعلم عبد السلام عليكان وطيور كْناوة وغاني قريجة وكريم زياد والمْعلم رشيد حمزاوي والمْعلم سعيد أوغسال وخورخي باردو.

تكريم "الكبير راندي ويستن"

اختار المهرجان المغربي، في دورة هذه السنة، تكريم الفنان الراحل راندي ويستن، أحد أعلام موسيٍقى الجاز، الذي تم تقديمه بكونه "يجسد المحب الأبدي لموسيقى "كْناوة" و"المثال الحي لعالمية الموسيقى من خلال تنوع الأساليب والألوان".

من فعاليات منتدى الصويرة

وتضمن تكريم هذه الفنان المتميز ثلاث فقرات: ليلة كْناوية بـ"دار الصويري"، تحت عنوان "الليلة الشمالية" بمشاركة المْعلم عبد الواحد ستيتو والمْعلم عبد الواحد الغورد والمْعلم عبد القادر حدادة والمْعلم عبد المجيد الدمناتي، ومعرضا لصور الراحل تحت عنوان "حين يلتقي راندي بكْناوة"، وشريطا وثائقيا تحت عنوان "راندي في طنجة".

ووصفت ورقة تقديمية الفنان المكرم بـ"الكبير راندي ويستن"، الذي يعتبر "واحدا من المراجع الأساسية في العالم الضيق للجاز"، الذي "كان دائما يستثمر الجذور الأفريقية للجاز لتطوير إبداعاته الموسيقية دائما وأبدا".

جمهور فعاليات الدورة الـ22 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم

كفاح طويل

قالت نايلة التازي عبدي، منتجة "مهرجان كْناوة وموسيقى العالم"، في كلمة تقديمية للدورة، إن المهرجان "يعتبر مدعاة للفخر بالنسبة إلى المغرب والمشهد الثقافي الوطني، وبالنسبة إلى الصويرة و"كْناوة"". واحتفت بالمسار الذي قطعته التظاهرة، قبل أن تتكرس كأحد المواعيد الفنية المميزة عبر العالم، حيث قالت: "يا له من طريق طويل ! 22 عامًا تؤكد أهمية وملاءمة مشروعنا الثقافي. كفاح طويل من أجل الاعتراف بموسيقى خضعت للتهميش فترة طويلة لكنها لامست القلوب وجذبت الزوار من جميع أنحاء العالم.&

عروض موسيقية قوية في مهرجان كناوة

ويشهد هذا الامتداد والحيوية على ترسيخ المهرجان بقوة في ثقافته وثقافة "كْناوة" ومدينته الصويرة وقارته إفريقيا. لقد كشف المهرجان عن ثراء الثقافة الشعبية، وأكد من جديد جذورنا الإفريقية من خلال ثقافة متغلغلة في جنوب الصحراء. كما أبان عن وجه جديد للشباب المغربي، باعتباره شبابا حرا، ومبدعا، ومتطوعا، ومتعطشا للفن والعالمية". وأضافت: "خلال عقدين من الزمن، جَعَلَنا كناوة شهودا على مغامرة إنسانية وفنية مدهشة، لقد غدت مغامرة أقلية كانت موجودة سابقًا في الشارع، ظاهرة موسيقية حقيقية معترف بها دوليًا. كل هذا في عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي يستعد المغرب بأسره للاحتفال بالذكرى العشرين لجلوسه على العرش. عهد جعل المغرب بلدًا أكثر حرية وأكثر حداثة مما كان عليه من قبل، مغرب أصبح فيه الشباب والثقافة، أكثر من أي وقت مضى، في قلب الاهتمامات، كما هو عهد يضع البعد الإنساني كأولوية قصوى لبناء مغرب من الوحدة والحرية والتقدم".

وأبرزت التازي أن "هذه الدورة تكتسي أهمية خاصة لأنها ستغلق قوسا وتفتح آخر جديدا. ففي غضون بضعة أشهر، وبالضبط في دجنبر 2019، ستقرر اللجنة الحكومية الدولية التابعة لليونسكو في الطلب المقدم من طرف المغرب لإدراج فن "كناوة" في قائمة التراث الشفهي وغير المادي للبشرية".

تراث لا مادي للإنسانية

في معرض كلمته خلال افتتاح التظاهرة، قال محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، إن هذا المحفل السنوي الهام يستلهم كنهه من تراثيات بلاد السودان الغربي، التي تلاقحت وانصهرت في البيئة الثقافية الأمازيغية - العربية المغربية، لتنسج لنفسها لونا غنائيا مركبا بسمات روحانية متميزة.

وفي هذا الصدد، وتثمينا للتراث "الكْناوي"، الذي يعد أحد مكونات الهوية الوطنية، وعنصرا من عناصر التراث الثقافي غير المادي بالبلد، أكد الأعرج أن وزارته عملت، من خلال استراتيجيتها الهادفة للتعريف بالثقافة الوطنية، على إعداد وتقديم ملف تصنيف فن "كْناوة" على اللائحة التمثيلية لمنظمة اليونيسكو كتراث عالمي، والذي من شأنه الارتقاء ورد الاعتبار لهذا التراث الفني، والذي يعد كذلك اعترافا عالميا بالبعد الإنساني لفن "كْناوة".

قوة الثقافة

منذ إنشائه سنة 2012، استقبل "منتدى الصورة لحقوق الإنسان"، الذي ينظمه "مهرجان كْناوة وموسيقى العالم" بالتعاون مع "المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، متدخلين من كل الآفاق، تبادلوا تجاربهم، وعرضوا أفكارهم ورؤاهم، وعبروا عن آمالهم، مستغلين زمن المنتدى لــ"تقاسم خبراتهم وللتفكير في بعض القضايا التي تمس مجتمعاتنا، دون اختزال ولا لغة الخشب، بل بتواضع العارفين وإنسانية الصادقين".

مزج فني في مهرجان كناوة

في دورة هذه السنة، تحت عنوان "قوة الثقافة في مواجهة ثقافة العنف"، تمحور النقاش حول محورين أساسيين: "أشكال العنف، بين الأصول والتجسيدات الحالية" و"دور الثقافة والفاعل الثقافي"، انطلاقا من السؤال التالي: ماهو الدور الذي يمكن للثقافة أن تلعبه من أجل محاربة الوحشية؟ من أجل التربية على قبول الاختلاف والتسامح؟ من أجل تبديد سوء التفاهم بين الجماعات المتعادية؟ من أجل إرساء حوار مع الآخر والانفتاح عليه؟

شهادات

على مدى دوراته السابقة، شهدت التظاهرة مشاركة فنانين من مختلف مناطق العالم، وجدوا في هذا الموعد الفني لحظة حوار موسيقي فريد من نوعه وتواصل إنساني لا يتكرر. وتحتفظ التظاهرة بعشرات الشهادات، التي تؤكد القيمة التي صارت لها. بالنسبة لبات ميتيني (الولايات المتحدة)، مثلا: "كانت إحدى أفضل تجاربي كموسيقار. ستظل بداخلي عدة أشياء إلى الأبد. من يسهرون على تنظيم هذا المهرجان، يعدونه بحب، ورغم الصعوبات فالنتائج مذهلة". أما تيكران هماسيان (أرمينيا)، فكتب: "هذا المهرجان مذهل، الجو العام، الحالة الذهنية، الموسيقى في كل مكان والموسيقى الكْناوية مذهلة، إني أحبها". من جهته، كتب ساليف كيتا (مالي): "أشعر أنني معني بتاريخ كْناوة، لأن هذه الموسيقى أتت من مالي. وبالتالي فأنا فخور بوجودي هنا، وأعترف بأنه كانت لدي منذ فترة طويلة الرغبة في تحقيق مشروع مع موسيقيين كْناويين". أما جوي زاوينول (ألمانيا / الولايات المتحدة)، الذي توفي في 11 ديسمبر 2007، فكتب: "قضيت في الصويرة أحلى أيام حياتي".

من افتتاح مهرجان كناوة