يستبعد قراء "إيلاف" حصول أي مصالحة بين الأطراف السورية المتصارعة، بسبب التشظي المجتمعي - المذهبي، واستعصاء الأحقاد المذهبية المتبادلة على النسيان.

ايلاف من بيروت: ثمة إجماع دولي على أن الحال لن تستمر على ما هي في سوريا، وأن الحل يمر سلميًا أخيرًا بتغيير يمنح الشعب السوري الفرصة الحقيقية لبناء دولته الجديدة. وكان غير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، قال إن حل النزاع في سوريا&يبدأ بمصالحة بين الأطراف المتحاربة منذ 8 سنوات، وإن الطريق إلى سوريا&الجديدة يبدأ ببناء الثقة والمصالحة الوطنية، والسوريون يحتاجون إلى المزيد من الوحدة لبناء مستقبلهم. لكن، هل تعتقد باحتمال مصالحة سياسية تامة في سوريا؟

شارك في استفتاء "إيلاف" 600 قارئ، صوتت أغلبيتهم، أي 466 قارئًا بنسبة 78 في المئة لصالح عدم إمكانية حصول المصالحة، فيما صوت 134 قارئًا، بنسبة 22 في المئة، لصالح استحالة حصول المصالحة التامة في سوريا.

ممكنة؟

فلنبدأ بالمتفائلين. ينقسم هؤلاء الى قسمين: قسم يريد المصالحة أن تتم، وقسم يسقط رغبته التصالحية على واقع مغاير، لأنه لا يرى أي حل في سوريا&الغد إلا بمصالحة شرائح الشعب السوري التي تنازعت في ما بينها.
منذ اليوم الأول لثورة الشعب السوري ومطالبته بالتغيير الديمقراطي والانتقال من نظام بوليسي كتم الأنفاس إلى نظام تشاركي فعلي يؤمن الحق البشري المقدس بالحريات العامة، كان التأكيد في خلال التظاهرات أن الشعب السوري واحد في معاناته اليومية، وأن لا فرق بين سوري وسوري إلا بمقدار تحمله المهانة على أبواب الوزارات والإدارات الرسمية، وفي أفرع المخابرات المختلفة من عسكرية وسياسية وجوية... إلخ. ما كان سيمر في ذهن المتظاهر السوري أن المتظاهر السوري الوقف إلى جانبه سيتحول يومًا إلى عدو لدود، تنحصر الحياة معه في معادلة "قاتل أو مقتول".

هؤلاء المتظاهرون الذين لا بد سيعودون إلى بداية الثورة النقية السلمية غير الطائفية هم&من يحلمون بمصالحة بين السوريين أنفسهم، وليس بين السوريين ونظام قتلهم بغاز السارين وبراميل الموت.

نظام الأسد يهدد باستعادة إدلب، آخر معاقل فصائل المعارضة السورية المسلحة، بالمصالحة أو بالحرب؛ أي، يهدد بأن ينصاع مقاتلو المعارضة لشروط "المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتنازعة في الجمهورية العربية السورية" في حميميم، أو تستعيد له روسيا المنطقة بأسرها. مؤسسة تركية - روسية مشتركة تأسست في 23 فبراير 2016 بالاتفاق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. ويذكر أنه مركز لرصد السلام ومكتب للإعلام، هدفه المعلن التعجيل بمفاوضات السلام بين النظام السوري والمعارضة.&

مستحيلة!

أما المتشائمون، وهم أغلبية المشاركين في الاستفتاء، فلهم وجهة نظر مختلفة. ليست المصالحة في سوريا&مسألة سهلة. فما حصل خلال 8 أعوام لا يمكن إلغاؤه بقبلات تلفزيونية متبادلة، كما يريد الروس، بحسب مراقبين على صلة بالمعارضة السورية المعتدلة.

ثمة لغط كبير بشأن لفظ المصالحة. فالنظام السوري العائد إلى المناطق التي حررها الروس وحزب الله وغيره من أتباع إيران يفرض على هذه المناطق مبدأ المصالحة الشاملة، وهو مبدأ مضلل جدًا، وهو مزيج من الترغيب والترهيب يستهدف إحلال سلطات محلية موالية للنظام محلَّ الهيئات الإدارية التي أنشأتها المعارضة، كما قال مازن عزي في مقالة نشرها موقع شاتام هاوس. كما وضع النظام سياسة إنشاء وفد للمصالحة في كل منطقة، يتألف من سكان محليين ومسؤولين في نظام دمشق، بمقدورهم لقاء جهات فاعلة مدنية وعسكرية من المعارضة.

إلى ذلك، تربط المعارضة السورية أي مصالحة، إن كانت ممكنة، بمحاكمة أركان النظام الذين اقترفوا أبشع جرائم الحرب ضد المواطنين السوريين في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، فذبحوا وقتلوا واعتقلوا وعذبوا حتى الموت، وما صور "قيصر" عن المعتقلين إلا دليل.

أكد نصر الحريري، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، في حديث صحفي أن جهود المعارضة حول محاكمة مجرمي الحرب من أركان النظام مستمرة في كل النواحي، "من الاستقصاء والتوثيق وإعداد الملفات، وهذا الأمر جزء من العملية التفاوضية"، مشيرًا إلى ضرورة تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية بناء على محاكمة المجرمين، فمن دون عدالة انتقالية حقيقية لا يمكن إرساء مصالحة وطنية".

التشظي الكبير

لكن، من أين يمكن تأتي المصالحة إن كان الانقسام الطائفي في سوريا قد أحدث تشظيًا كبيرًا على المستوى المحتمعي – المذهبي. فإذا كان العداء بين الشيعة العلويين والسنة ليس جديدًا في سوريا، فإنه في خلال الحرب الأهلية السورية، التي اندلعت في إثر نجاح النظام في عسكرة الثورة المدنية لتبرير استعمال القوة لسحقها، تمادى هذا العداء، حتى ولّد مشاعر كراهية لم تنتج إلا حرب إبادة.

فحيث انتصب الأمر للجهاديين السنة بمختلف أطيافهم، من القاعدة إلى داعش، شنوا حرب إبادة ضد العلويين أولًا، ومن لم يكن سنيًا منهم ثانيًا. وفي المناطق التي سيطر عليها النظام بنفسه أو بواسطة شيعة لبنان (حزب الله) وشيعة العراق (قوات أبو الفضل العباس وعصائب الحق وغيرهما)، فقد مارس سياسة التهجير والتطهير المذهبي، من خلال نقل السنة بالحافلات الخضر إلى إدلب، وإسكان شيعة مكانهم، بل وحتى نزع ملكة المرحلين، وتقديمها هدية للشيعة الموالين عرفانًا وامتنانًا، ومنطقة الزبداني - بلودان أنموذجٌ عما حصل.

يقول مراقبون إن هذا التطهير والتطهير المضاد، مع ما رافقهما من قتل وذبح على الهوية المذهبية، وتنكيل وصلت إلى حد أكل الأكباد البشرية، عوامل تغذي الأحقاد المتبادلة، وتضيّق مساحة المصالحة، وما الدعوة الموجهة في كل حين إلى الشعب السوري إلى نسيان ما حصل، والقول عفا الله عما مضى، إلا من باب الأساطير والقص الشعبي.

فما من بيت سني إلا وفيه "شهيد الحرية". وما من بيت علوي إلا وفيه "شهيد الجيش والوطن". وما من بيت شيعي في لبنان والعراق - تقريبًا - إلا وفيه "شهيد الواجب الجهادي". وصور "الشهداء" المعلقة على جدران المنازل تقطع الصلات التي يمكن أن تنسج بين متقاتلي الأزمة السورية، وهي في الأصل أوهن من خيوط العنكبوت.