المتظاهرون الجزائريون في 22 مارس/آذار 2019
Getty Images
المظاهرات لم تتراجع وتيرتها رغم التنازلات التي قدمتها السلطة

قبل 22 من فبراير/ شباط هذا العام كانت عقارب الساعة نائمة وتشير إلى حتمية الذهاب إلى عهدة رئاسية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

كان الرئيس المريض الغائب عن الأنظار، المقيم لسنوات طويلة بين مقره الرسمي في الساحل الغربي للعاصمة الجزائر ومصحات خارج البلاد يستعد لخوض حملة انتخابية سريالية تقتصر على تمجيد لزعيم فقد وشائج العلاقة مع شعبه.

وظل الشارع يترقب قرار رئيسه بالتنحي بسبب ظرفه الصحي واستحالة تسييره شؤون البلاد من سرير مستشفى أوروبي، وبتوكيل الحلقة القريبة من منه لتسويق العهدة المستعصية.

وشعر الجزائريون بأنهم سيكونون خارج الزمن وبروتوكول العولمة إن رضخوا هذه المرة لجماعة الرئيس الحريصين فقط على استمرار نهبهم خيرات البلاد وذكائها لخمسة أعوام أخرى.

اشتعلت منصات التواصل الإجتماعي بحوارات مشاكسة وجريئة تعارض بشكل صريح ومعلن استمرار فرض الأمر الواقع والخروج عن طاعة زعيم فقد بريقه ورصيده منذ فترة طويلة ورهن مستقبل البلاد للمجهول .

وتوالت الدعوات الافتراضية للتظاهر والتنديد بالمهزلة السياسية بكل الطرق المتاحة وفي مفارقة عجيبة انفلتت حملة شرسة وغير مسبوقة لاستعادة الجزائر لكرامتها وضخ جرعات من الثقة لانقلاب أبيض على قصر المرادية وقطع الطريق أمام الأحزاب الموالية والمنتهية الصلاحية ومتملقين يركبون موجات ظرفية تدافع دون لباقة عن رئيس لم يخاطب شعبه منذ ستة أعوام. وأكثر من ذلك لن يكون بمقدوره إدارة حملة انتخابية أو أداء اليمين الدستوري أو السفر إلى الخارج لتمثيل الجزائر بين دول العالم.

وفي صباح الجمعة الأخيرة من فبراير، بدت المدن الجزائرية هادئة وخالية لكنها مشحونة بشيء ما سيحدث في أية لحظة وبتغيير مفاجئ للطقس السياسي قد ينذر بمشهد غير مألوف يشبه السحابة السوداء المتخفية في سماء ليس بالضرورة أزرق اللون والمزاج.

من هو عبدالعزيز بوتفليقة؟

مظاهرات الجزائر: ما هي مراكز القوى في الجزائر ومن هم الخلفاء المحتملون للرئيس بوتفليقة؟

المتظاهرون الجزائريون في 22 مارس/آذار 2019
Getty Images
المتظاهرون الجزائريون في 22 مارس/آذار 2019

وشهد الناس يومها وجود مكثف لمدرعات الشرطة وقوى الأمن المتدربة على مكافحة الشغب في كل أرجاء العاصمة، وكأن الأمر يتعلق باحتجاج رجال البدلات الزرقاء.

وبدأت الجموع تتشكل حول ساحة البريد المركزي بأعداد تتنامى بين لحظة وأخرى، وبدت وكأنها تنتظر إشارة ما لكسر حاجز الحظر على التظاهر فرضته السلطات على العامة لسنوات طويلة بحجج واهية تربط تعبير الجزائريين عن قسوة واقعهم بحدوث أحداث شغب والوقوع في مطبات الربيع العربي.

وبالرغم من المخاوف والتحذيرات انفجرت مسيرات سلمية في كل ربوع الجزائر بعد صلاة الجمعة تصدح بأصوات فاقت مئات الآلاف أنه حان وقت رحيل بوتفليقة وأن العهدة الخامسة انكسرت ولن تتحقق.

في ذلك اليوم انكسر أيضا حاجز الخوف وتهاوت الأوهام الانتخابية مثل ورق الكارتون.

وتمادى الإصرار في الجمعة الموالية واتسعت رقعة المطالب لتشمل كل رموز النظام المتهاوي. ومقابل محاولات المهادنة والمراوغة من خلال رسائل رد منسوبة لبوتفليقة بدا الشارع متفطنا من محاولة الالتفاف على مطالبه الشرعية وابتكر المتظاهرون شعارات ناضجة بلمسة كاريكاتورية تتفق مهما اختلفت على أن العودة إلى ما قبل الثاني والعشرين من فبراير لن يحدث حتى في الأحلام.

وأصبح ما يسمى بجمعة الحراك يوما للاحتفال بالقطيعة مع الماضي ولبناء جزائر جديدة صانعها فخامة الشعب، مع الإصرار على حماية الطابع السلمي لروحية الاحتجاج مهما بلغت درجة التحرش والاستدراج نحو ساحة المواجهة العنيفة.

أجمل تعبير عن طيف لون المسيرات المليونية التي أبهرت العالم صادف عيد المرأة العالمي في الثامن من أذار/ مارس.

خرجت العائلات الجزائرية تمشي بزخم ملحمي بديع من الطفل الرضيع إلى الجدة وبينهما وجوه شابة من الجنسين تتطلع إلى ربيع جزائري متفرد وملهم للأجيال التي لم تولد بعد. حملت تلك الجمعة ولكنها أماني بلاد تؤمن بالتفاؤل.

المتظاهرون الجزائريون في 22 مارس/آذار 2019
Getty Images
المتظاهرون الجزائريون في 22 مارس/آذار 2019

الجمعة العشرين كانت على موعد مع القدر إذ التقت بذكرى عيد الإستقلال في الخامس من يوليو. وبالرغم من درجة حرارة فاقت الأربعين كانت هناك نسمات الحراك اللطيفة ترافق عناد المتظاهرين لاستعادة استقلال كامل غير منقوص يحرر الإنسان والأرض من بقايا النظام السابق، ويشدّ بأيادي موّحدة تنشد العودة لسيادة الشعبلانتخاب رئيسهم المقبل عبر صندوق اقتراع شفاف ونزيه ونابع من إرادة شعبية تصنع التاريخ ولن تكون أدوات في يد التاريخ.

ثورة الإبتسامة فيلم وثائقي يرافق شخصيات من صميم الحراك في تقاطع مسارهم مع لحظة حاسمة في عمر الجزائر بهواجسها وأمانيها وبمواجعها ونشوة الشعور بحجم مسؤولية الولادة القيصرية لفترة ما بعد بوتفليقة بما تعنيه من رومانسية واستفاقة الواقع الجديد.

فرصة نادرة لمرافقة تطلعات تمشي على رجليها بثبات نحو التجذر في السلمية وببعد نظر ليس بالضرورة واضح الصورة والمعالم، ولكن لا يرغب في تجميل المرآة العاكسة لعشرين عاما من حكم صادر حلم البلاد.

----------------------

يمكنكم تسلم إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.