محمد إلياس
BBC
يقول محمد إلياس إن 90 في المئة من زبائن متجره السنهاليين توقفوا عن التعامل معه منذ التفجيرات.

كان محمد إلياس تاجرا ناجحا إذ يملك متجرا متخصصا في بيع العدد والأدوات في غربي سريلانكا. ولكن الأمر تغير بصورة كبيره قبل بضعة شهور. أما الآن، فقد انهارت مبيعاته وازدادت الخسائر التي يتحملها.

يبيع محمد شتى أنواع البضائع، من الأصباغ إلى المصابيح الكهربائية، ومتجره كان واحدا من المتاجر المشهورة في قرية كوتارامولا (التي تبعد عن العاصمة السريلانكية كولومبو بمسافة 90 كيلومترا) والقرى المجاورة لها.

تسكن المنطقة أغلبية سنهالية، وتسكنها أيضا أقلية من المسلمين. وكان محمد إلياس قضى العقود الماضية في خدمة السكان أيا كانت خلفياتهم الدينية.

ولكن الأمر تغيّر منذ تفجيرات عيد الفصح التي شهدتها سريلانكا في نيسان / أبريل الماضي.

يقول إلياس "منذ تفجيرات عيد الفصح، توقف نحو 90 في المئة من زبائني السنهاليين عن التعامل مع متجري. لقد تضررت تجارتي إلى حد بعيد، وخسرت مئات الآلاف من الروبيات".

كولومبو
BBC
بائع مسلم في سوق بيتاه في العاصمة كولومبو

استهدف في عيد الفصح الماضي متطرفون مسلمون مرتبطون بجماعات محلية شبه مغمورة عددا من الفنادق الفخمة والكنائس في كولومبو وعدد من المواقع شرقي البلاد، وأسفرت الهجمات عن مقتل 250 شخصا بينهم أجانب. وأصابت تلك الهجمات، التي تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية" البلاد بصدمة كبيرة.

يقول محمد إلياس "بدأ بعض زبائني بالعودة إليّ تدريجيا في الأسابيع الماضية، ولكن ذلك ليس كافيا، وإذا استمر هذا التوجه على حاله، سأعاني من مشكلة كبيرة".

يشعر كثير من المسلمين بأن المجتمع بدأ بازدرائهم وشيطنتهم منذ الهجمات، ويقول تجار مسلمون إنهم مستهدفون.

وقد تعرضت مساكن ومصالح تجارية يملكها مسلمون لاعتداءات في العديد من المناطق في سريلانكا، ووقعت أكثر هذه الهجمات حدة وشراسة في أيار / مايو الماضي.

وكان أحد كبار الرهبان البوذيين في سريلانكا قد ناشد علنا السنهاليين (الذين يدينون بالبوذية ويشكلون أغلبية سكان البلاد) في حزيران / يونيو الماضي تجنب التعامل مع المتاجر العائدة لمسلمين، مما حدا بوزير المالية مانغالا ساماراويرا إلى انتقاده بشدة. وحث الوزير "البوذيين الحقيقيين" على التوحد لمجابهة ما وصفه بـ"طلبنة" الديانة البوذية.

يذكر أن الانقسامات الدينية والعرقية عميقة جدا في هذه البلاد متعددة الأديان والأعراق. ويشكّل المسلمون نحو 10 في المئة من سكان سريلانكا البالغ عددهم 22 مليون نسمة أغلبيتهم من البوذيين السنهاليين.

ويشكّل الهندوس حوالي 12 في المئة من السكان، معظمهم من أقلية التاميل، بينما يدين 7 في المئة من السكان بالمسيحية.

وكانت البلاد قد شهدت حربا أهلية شرسة لم تضع أوزارها إلا في عام 2009 بهزيمة متمردي نمور التاميل الانفصاليين. وفتكت تلك الحرب التي استمرت لثلاثة عقود تقريبا بعشرات الآلاف من السريلانكيين. وأعقبت الحرب فترة من الهدوء النسبي استمرت لعشر سنوات تقريبا، ولكن هذا الهدوء توقف في عيد الفصح الماضي.

وسارع المسلمون في كل أرجاء سريلانكا إلى إدانة الهجمات، ولكن رفضهم الصريح للعنف وكل الادانات التي أصدروها لم ترض قطاعا من السنهاليين المتطرفين. كان غضب هؤلاء موجها أول الأمر إلى أتباع المذهب الوهابي حصرا.

لكن زعماء الأقلية المسلمة يقولون الآن إن كل المسلمين أصبحوا اهدافا للانتقام، ويشعرون بأن غالبية السياسيين السريلانكيين وقوات الأمن لا يكترثون للعنف الموجه إليهم. ولكن الحكومة تصر على أنها عززت إجراءات الأمن من أجل وأد التوترات العرقية والدينية وإجهاضها.

يقول محمد نجيم، وهو من من سكان منطقة بوتالام الشمالية الغربية "قتل شقيقي أمام منزلنا من قبل غوغاء سنهاليين كانوا يخربون ممتلكات عائدة لمسلمين في حزيران / يونيو الماضي، ولكننا لسنا متأكدين بأن العدل سيأخذ مجراه وأن الحكومة ستقتص من القتلة".

ولكن الشرطة تقول إنها ألقت القبض على رجلين بتهمة الضلوع في قتل شقيق نجيم، واسمه محمد أمير محمد سالي، وإنها تواصل التحقيق في الحادثة.

كما استهدفت النسوة المسلمات اللواتي يرتدين اللباس الإسلامي التقليدي عقب هجمات عيد الفصح، خصوصا بعد أن حظرت الحكومة ارتداء النقاب في الأماكن العامة لدواع أمنية.

ورغم أن القرار الحكومي لم يأت على ذكر النقاب والبرقع بالإسم، تقول الجماعات المدافعة عن الحقوق العامة إن المضايقات طالت حتى اولئك اللواتي ترتدين الحجاب.

وتقول جوايريا محي الدين، مديرة جمعية تنمية النسوة المسلمات "تواجه المسلمات اللواتي يعملن في الدوائر الحكومية مشاكل في الوقت الراهن. ففي بعض الدوائر، يطلب من النسوة المحجبات العودة إلى دورهن وتغيير ملابسهن إلى الساري".

وتضيف أن بعض النساء السنهاليات يرفضن الجلوس إلى جانب المسلمات اللواتي يرتدين العباءة في وسائط النقل العامة.

إتهم الراهب البوذي غالاغودا أثيثي غنانسارا ثيرو بالتحريض ضد المسلمين.
BBC
إتهم الراهب البوذي غالاغودا أثيثي غنانسارا ثيرو بالتحريض ضد المسلمين.

يقول ممثلون للطائفة المسلمة إن الحملات التي تستهدف المسلمين، ومنها الدعوات لمقاطعة المتاجر وغيرها، مصدرها جزئيا على الأقل رسائل يصدرها رجال الدين البوذيون المحليون الذين يتبعون بدورهم رهابنة أرفع شأنا.

وأحد هؤلاء الرهابنة الذي اتهم بتأجيج الأحقاد والكراهية ضد المسلمين في الماضي هو غالاغودا أثيثي غنانسارا ثيرو، زعيم حركة بودو بالا سينا أو "قوة العنفوان البوذي"، وهي حركة قومية متطرفة.

ولكن ثيرو يقول "لم تطلب أي منظمة من الناس تجنب المتاجر العائدة لمسلمين، بل أنهم يفعلون ذلك طوعا. ليس لنا أي دور في ذلك".

وكان الرئيس السريلانكي مايثريبالا سيريسينا قد أصدر عفوا عن ثيرو في أيار / مايو الماضي وأطلق سراحه من السجن بعد أن قضى أقل من سنة من الحكم الذي كان قد صدر بحقه بالسجن ست سنوات بتهما ازدراء القضاء.

وقال ثيرو "ينبغي للطائفة المسلمة أن تناقش الأمر فيما بينها وتتوصل إلى إجابات. لا نقول إن كل المسلمين متورطون بأعمال عنف، ولكن على التجار ورجال الأعمال المسلمين أن يتعرفوا على الذين يدعمون الإسلام المتطرف ويفضحوهم".

إلا أن الزعماء المسلمين يصرون أنه على ثيرو أن يراجع آراءه أولا. يقول رؤوف حكيم، رئيس المؤتمر الإسلامي السريلانكي ووزير في الحكومة السريلانكية "عليه الكف عن وعظنا، بل عليه النظر إلى ما يفعلونه هم".

وقال حكيم إن المسلمين مستعدون للخوض في حوار جدّي للتوصل إلى مكامن الخلل في طائفتهم، وهم راغبون في فعل ذلك طوعا.

وأضاف حكيم "أنه من المحبط والمخزي أن تصدر خطابات الكراهية من مصادر غير متوقعة تقع في قلب القيادات العليا للمرجعيات الدينية".

ولكن ثمة مؤشرات إلى وقوع شيء من الانفراج بالنسبة للمسلمين السريلانكيين في الأسابيع الأخيرة.

فالوزراء المسلمون الذين استقالوا من الحكومة في أيار / مايو الماضي احتجاجا على لطخ الطائفة الإسلامية برمتها بصبغة الإرهاب قد أعيدوا إلى مناصبهم الوزارية.

كما أطلق بكفالة سراح طبيب مسلم للأمراض النسائية كان قد اُتهم باجراء عمليات تعقيم للآلاف من النسوة السنهاليات دون إذنهن.

وكان الطبيب، واسمه الدكتور محمد شافي، قد اُعتقل في أيار / مايو الماضي بعد أن نشرت صحيفة سنهالية تقريرا أطلقت من خلاله هذه التهم دون دليل. واستمر اعتقال الدكتور شافي لأسابيع عدة رغم إقرار مكتب التحقيقات الجنائية للمحكمة بعدم وجود أي أدلة ضده.

ويقول بعض من التجار وأصحاب المتاجر المسلمين في سوق بيتاه المزدحم في كولومبو إن بعضا من زبائنهم السنهاليين بدأوا يعودون إلى ارتياد متاجرهم ولكن بوتيرة بطيئة.

ولكنهم عبروا عن قلقهم من سير الأمور بينما تستعد البلاد لاجراء انتخابات رئاسية قبل التاسع من كانون الأول / ديسمبر المقبل، والتي سيلعب موضوع الأمن الوطني دورا سياسيا محوريا فيها.

ويخشى زعماء الطائفة المسلمة أن يستخدم الخطاب المعادي للمسلمين لأغراض سياسية انتخابية ولأجل تأجيج الفرقة بين الطوائف المختلفة.

وحذر حكيم من ذلك قائلا "عليهم أن يعوا بأن هذا الشكل من الاستقطاب والشيطنة التي تستهدف طائفة بعينها قد تخلق تربة خصبة تشجع على نمو المزيد من التطرف".

ويأمل المسلمون السريلانكيون بألا يصبحون مجرد بيادق في لعبة سياسية أكبر حجما منهم.