بيروت: بعد أكثر من ثلاثة أشهر على تصعيد قصفها على مناطق في شمال غرب سوريا، تعمل قوات النظام بغطاء جوي روسي على التقدم ميدانياً داخل محافظة إدلب للسيطرة على مدينة خان شيخون الاستراتيجية في ريفها الجنوبي، في حين تمكن "الجهاديون" من إسقاط طائرة حربية سورية في المنطقة نفسها.

وأفاد مراسل فرانس برس في المكان أن سحابة كبيرة من الدخان الأسود ارتفعت فوق مكان تحطم الطائرة، حيث كان بالإمكان مشاهدة محرك وكرسي وجناح عليه علم النظام السوري.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن "إن طائرة سوخوي حربية تابعة للنظام السوري سقطت في ريف إدلب الجنوبي بمحور ترعي - السكيك وذلك بعد استهدافها من قبل الفصائل الجهادية في المنطقة"، في إشارة بشكل خاص الى هيئة تحرير الشام الفرع السابق لتنظيم القاعدة.

واوضح عبد الرحمن لوكالة فرانس برس "تم إلقاء القبض على الطيار من قبل "الجهاديين" وهو الآن بين أيدي هيئة تحرير الشام"، مضيفا أنها "المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة تابعة للنظام منذ بدء التصعيد" في هذه المنطقة من سوريا في نهاية نيسان/ابريل الماضي.

وتبنت هيئة تحرير الشام في بيان مسؤوليتها عن اسقاط الطائرة. وجاء في البيان "أسقطت سرية الدفاع الجوي التابعة لهيئة تحرير الشام طائرة حربية من نوع سوخوي 22 &بالقرب من منطقة التمانعة" في بلدة اللطامنة على بعد كيلومترات قليلة من مدينة خان شيخون.

وجاء إسقاط الطائرة متزامنا مع محاولة قوات النظام التقدّم إلى مدينة خان شيخون، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي بعد تعرضها لقصف جوي كثيف منذ بدء التصعيد، لم يستثن الأحياء السكنية ولا المرافق الخدمية، وتسبب بنزوح غالبية سكانها تدريجياً.

وتتعرض محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة منذ 30 نيسان/أبريل لتصعيد في القصف من قبل قوات النظام وحليفتها روسيا. وتكثّف قوات النظام منذ نحو أسبوع عملياتها القتالية في ريف إدلب الجنوبي، بعدما اقتصرت غالبية الاشتباكات على ريف حماة الشمالي المجاور منذ بدء التصعيد.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن قوات النظام "باتت الأربعاء على بعد أربعة كيلومترات من خان شيخون من جهة الغرب، ولم تعد تفصلها عن المدينة إلا أراض زراعية".

وفي المنطقة الواقعة شرق خان شيخون، تدور الأربعاء معارك عنيفة بين قوات النظام من جهة وهيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة من جهة ثانية، بينما تحاول قوات النظام السيطرة على تلة استراتيجية تقع على بعد نحو ستة كيلومترات من المدينة.

وقال عبد الرحمن إن المدينة "أصبحت عملياً بين فكي كماشة من جهتي الشرق والغرب".

وتمكنت قوات النظام الأربعاء من السيطرة على خمسة قرى غرب خان شيخون، قريبة من بلدة الهبيط التي سيطرت عليها الأحد بعد معارك شرسة ضد هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل اسلامية ومعارضة.

وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن السيطرة على هذه القرى تمّت "بعد القضاء على آخر تجمعات إرهابيي تنظيم جبهة النصرة والمجموعات التي تتبع لهم فيها".

-مقتل مسعف وممرض-
وتتزامن المعارك مع قصف كثيف وغارات سورية وأخرى روسية على ريف إدلب الجنوبي، حيث قتل أربعة مدنيين في قرية معرة حرمة وجوارها بينهم مسعف من الخوذ البيضاء وممرض من منظمة غير حكومية.

وأعلن الدفاع المدني السوري أن القتيل يونس بلوظ متطوع لديه "استشهد جراء استهدافه بغارة مزدوجة من الطيران الحربي الروسي، اثناء قيامه بواجبه الإنساني بإسعاف المدنيين".

وتسببت الغارات والمعارك بحركة نزوح واسعة من المناطق التي لا تزال تضم مدنيين. وأفاد مراسلو فرانس برس عن توجه عشرات السيارات والحافلات المحملة بالسكان وحاجياتهم من المنطقة الجنوبية باتجاه مناطق الشمال التي لا يشملها التصعيد.

وقرب مدينة سرمدا شمالاً، قال أبو أحمد (55 عاماً) الذي فرّ مع عائلته من مدينة معرة النعمان لفرانس برس "الطيران يقصف والمدفعية تقصف.. والحالة سيئة جداً".

وتابع بحسرة "نريد النجاة بأرواحنا.. تركنا الغنم وتركنا بيوتنا وهربنا" بعدما طا,ل القصف في الأيام الأخيرة المدينة.

"تركنا أرضنا"&

وقالت زوجته أم أحمد التي جلست قربه في سيارته من طراز بيك أب وهي تحمل طفلين صغيرين وتقف طفلتها قربها "تركنا بيتنا وأملاكنا وأرضنا المليئة بالمحاصيل من البطيخ والعنب والتين".

ومنذ بدء قوات النظام تصعيدها على إدلب ومحيطها، باتت مناطق بأكملها خصوصاً في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي شبه خالية من سكانها. وأحصت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 400 ألف شخص هرباً من القصف والمعارك.

وأوقعت المعارك المستمرة بين الطرفين الأربعاء وفق المرصد 31 مقاتلاً من الفصائل الجهادية والمقاتلة مقابل 16 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها.

وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة. كما تنتشر فيها فصائل اسلامية ومعارضة أقل نفوذاً.

ومنطقة إدلب ومحيطها مشمولة باتفاق روسي تركي منذ أيلول/سبتمبر 2018، نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل. كما يقضي بسحب الفصائل المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وانسحاب المجموعات الجهادية من المنطقة المعنية. إلا أنه لم يتم استكمال تنفيذه.

وأرسى الاتفاق هدوءاً نسبياً، قبل أن تبدأ دمشق تصعيدها منذ نهاية نيسان/أبريل وانضمت اليها روسيا لاحقاً، ما تسبب بمقتل 820 مدنياً وفق المرصد، ودفع أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح، بحسب الأمم المتحدة.

وأعلنت دمشق مطلع الشهر الحالي موافقتها على وقف لاطلاق النار استمر نحو أربعة أيام، قبل أن تقرر استئناف عملياتها العسكرية، متهمة الفصائل بخرق الاتفاق واستهداف قاعدة حميميم الجوية التي تتخذها روسيا مقراً لقواتها في محافظة اللاذقية الساحلية.

"أداة ضغط"

وتكثّف قوات النظام منذ أسبوع عملياتها في ريف إدلب الجنوبي، في محاولة للتقدم إلى خان شيخون ومحاصرة ما تبقى من بلدات تحت سيطرة الفصائل في ريف حماة الشمالي.

وإلى جانب كونها كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، يمّر في خان شيخون وبلدات مجاورة في إدلب جزء من طريق استراتيجي سريع، يقول محللون إن دمشق ترغب باستكمال سيطرتها عليه.

ويشكل الطريق شرياناً حيوياً يربط بين أبرز المدن تحت سيطرة قوات النظام من حلب شمالاً مروراً بحماة وحمص وسطاً ثم دمشق وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن.

ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات ومقره اسطنبول نوار أوليفر لفرانس برس إن قوات النظام وروسيا "لن تتردد في السيطرة على كل ما ستتمكن من قضمه" في إدلب.

ويضيف "تسعى قوات النظام ومن خلال الدعم الروسي الكبير ليس فقط إلى فتح الطريق الدولي، ولكن فرض واقع جديد على المنطقة والفصائل وحليفتها تركيا، واستخدامه كأداة أو سلاح في أي عملية تفاوض حالية أو مستقبلية".

وخلال سنوات النزاع، لطالما اتبعت قوات النظام بدعم روسي استراتيجية القضم التدريجي لمعاقل الفصائل تمهيداً للسيطرة عليها.

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبّب منذ اندلاعه في 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية وأدى الى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.