ركّزت وسائل الإعلام في تغطيتها للحرب الدائرة في غزة، على اقتحام القوات الإسرائيلية لمجمع الشفاء الطبي للمرة الثانية منذ انطلاق النزاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال جيسون بيرك، مراسل صحيفة الغارديان البريطانية في القدس، إنَّ الهجوم الإسرائيلي على مجمّع الشفاء يظهر تراجع سيطرة إسرائيل على القطاع في حربها التي وصفها بأنّها "أبديّة".

ويشير بيرك إلى أنّ عودة الجيش الإسرائيلي إلى مجمع الشفاء مجدداً، يعني أن مقاتلي حماس لا يزالون ينشطون في مناطق يُفترض أنه تم تطهيرها ورغم ما تكبدوه من خسائر فادحة، وفق الكاتب.

ويضيف أن القتال حول مستشفى الشفاء واقتحامه كان بمثابة لحظة الذروة للمرحلة الأولى من العملية العسكرية الإسرائيلية البرية على غزة، التي بدأت العام الماضي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مبيناً أن جدلا كبيراً رافق العملية فيما إذا كانت حماس قد استخدمت مباني المستشفى وأقبيته كمركز قيادة سري، كما زعمت إسرائيل.

في الوقت الذي تتوغل فيه الدبابات الإسرائيلية باتجاه عمق القطاع يتم توزيع المساعدات على النازحين الفارين من شمال القطاع
Reuters
في الوقت الذي تتوغل فيه الدبابات الإسرائيلية باتجاه عمق القطاع يتم توزيع المساعدات على النازحين الفارين من شمال القطاع

وبالرغم من ذلك، فإنَّ قدرة إسرائيل على اقتحام المستشفى والسيطرة عليه لم يشوبها شك - حينها - وفق الكاتب، إلا أنه يرى بأن عودة الجيش الإسرائيلي إلى المجمع الطبي، بعد مرور ثلاثة أشهر، يُعتبر بمثابة اعتراف ضمني بأن هذه السيطرة قد تراجعت.

ويتابع بيرك في تحليله أنه من الواضح وجود نشاط لحماس في أجزاء من شمال غزة كان من المفترض أن تقوم القوات الإسرائيلية بتطهيرها منذ فترة طويلة، مشيراً إلى أن هنالك ثلاث حقائق حاضرة: الأولى هي أن حماس، ورغم ما تكبدته من خسائر، لا تزال تمتلك العدد الكافي من الرجال المسلحين وأنظمة القيادة الوظيفية الكافية لشن هجمات متفرقة على القوات الإسرائيلية، ويساعدها في ذلك وجود منظومة الأنفاق.

والحقيقة الثانية - برأي الكاتب - هي أن إسرائيل سرحت معظم جنود الاحتياط لديها ونقلت وحدات نظامية رئيسة إلى حدودها الشمالية أو الضفة الغربية المحتلة، حيث إن المرحلة الحالية من هجومها تركّز على استبدال المواجهات العسكرية البرية ذات الكثافة العددية، بقوات قليلة يقتصر معظمها على ما يسمى بـ "الحصون" على مشارف المراكز السكانية أو في نقاط استراتيجية مثل تقاطعات الطرق.

فلسطينيون يتفقدون المباني السكنية المدمرة في أعقاب غارة إسرائيلية
Reuters
فلسطينيون يتفقدون المباني السكنية المدمرة في أعقاب غارة إسرائيلية

ويتابع الكاتب أن الثالثة هي "مقت" الحرب للفراغ - مثل الطبيعة -، فيما لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو يرفض أن يناقش بجدية أي خطط واقعية للحكم في غزة بعد الحرب، ويبدو أنه راضٍ بالسماح لمساحات واسعة من القطاع بالانزلاق إلى الفوضى في الأسابيع أو الأشهر التي تحقق فيها إسرائيل هدفها المعلن من الحرب، وهو "إنهاء حماس".

ويشير الكاتب إلى وجود حالة من الركود القاتل في غزة، وأنه من غير المرجح أن يتمكن الإسرائيليون أو حماس من تحقيق أهدافهم النهائية، مهما كانت، في وقت قريب.

 جندي إسرائيلي داخل نفق قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة - خلال الهجوم الأول في نوفمبر الماضي
Reuters
جندي إسرائيلي "داخل نفق قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة" - خلال الهجوم الأول في نوفمبر الماضي

إلى صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، والتي نشرت تقريرا حول آخر مستجدات الهجوم على مجمع الشفاء، عبر محررها يوآف زيتون، نقل فيه عن الجيش الإسرائيلي قوله إنِّه عثر على قنابل يدوية وقذائف هاون وكميات كبيرة من الأموال بالقرب من مكتب مدير المستشفى.

ووفق المُحرِّر، فإن الجيش الإسرائيلي يقول بأنه قتل ما لا يقل عن 20 مسلحاً واعتقل العشرات من المشتبه فيهم.

ويضيف نقلاً عن قائد فريق العمليات الخاصة قوله إن الجيش تحرك إلى مستشفى الشفاء بعد تلقيه تقارير عن استخدامه من قبل عضو كبير في حماس لتنسيق القتال في الجزء الشمالي من القطاع.

ويصف القائد العسكري، اقتحام الجيش الإسرائيلي للمستشفى بالقول إنه عندما دخل المُجمّع، واجه وابلاً ونيراناً من المقاتلين، مضيفاً أنهم لن يسمحوا لحماس باستخدام البنية التحتية المدنية متوعِّداً بملاحقة قادتها.

وحول الموضوع، قال وزير الدفاع يوآف غالانت إنَّ القتال سيتوسِّع حتى القضاء على حماس، مبيناً أنَّ المكان الذي اعتقدت حماس أنه مخبأ آمن، سرعان ما تحول إلى ما وصفه "فخ الموت".

وأنهى غالانت حديثه، بأنَّ حماس لن تحكم غزة - مجدداً - ولن تمتلك قدرة عسكرية، و"سنقضي على هذا الشر".

"إسرائيل عادت للشفاء بحثا عن صورة نصر"

إلى صحيفة الأخبار اللبنانية، والذي وصف فيها كاتبها يوسف فارس، عودة الجيش الإسرائيلي إلى المستشفى بأنه "بحثٌ عن صورة انتصار". وقال إنَّ المشهد الميداني في شمال وادي غزة انقلب، عقب توغّل الدبابات الإسرائيلية وحصارها لمجمع الشفاء الطبي الذي يؤوي بين جدران مبانيه قرابة 30 ألف نازح، ويشكّل آخر النقاط الطبية التي تقدّم الخدمة لنحو 500 ألف إنسان في شمال الوادي.

ووصف فارس اقتحام المجمع والعمل في داخله بالتحدي الميداني الكبير، معتبرا أن الجيش الإسرائيلي يتّخذ من النازحين دروعاً بشرية، مشيراً إلى أنه يمكن فهم العملية المفاجئة في المستشفى، والتي اغتيل خلالها مسؤول قوى الأمن الداخلي في غزة العميد فائق المبحوح، في سياق المرحلة الثالثة من الحرب، والتي تتضمّن تنفيذ عمليات مركّزة ومحدّدة، وفقا للكاتب.

ويضيف يوسف فارس أن العملية تتزامن مع انتقال الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى الدوحة للقيام بجولة جديدة من التفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، والتي تحتاج بطبيعة الحال، وفق رأيه، إلى مزيد من أوراق القوة الميدانية.

واعتبر أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أي إنجاز بعد ستة أشهر من الحرب، مبيناً أن إسرائيل كانت تتوقع أن تجد في مستشفى الشفاء، صيداً ثميناً يمكن اعتقاله أو حتى اغتياله، يقبل عقبه بوقف إطلاق النار.

بالإضافة إلى ذلك، يشير الكاتب إلى أن تكرّر الاجتياحات لمنطقة محددة لعدة مرات، يبين ضحالة الإنجاز الميداني الذي يتحقّق في كل عملية، حيث تخرج الدبابات مثقلة بعمليات الاستهداف والاستنزاف، من دون أن تحقق هدف تقويض حركة "حماس"، ما يفرض عليها تكرار الجهد الميداني لعدّة مرات، على فترات زمنية ليست طويلة، وذلك ما حدث مراراً، في أحياء الزيتون، والدرج، والوحدة والرمال وشرق جباليا، وأخيراً، مجمع الشفاء، وفقا للمقالة.