في يوم الإثنين القادم، سيكون لدى المئات من سكان نيويورك القادمين من جميع أنحاء جزيرة مانهاتن، فرصة تاريخية، وهي الجلوس ضمن هيئة المحلفين في أول محاكمة جنائية لرئيس سابق.

اتهم دونالد ترامب بتزوير سجلات خاصة بعمله بهدف إخفاء مبلغ مالي تم دفعه قبل وقت قصير من انتخابات عام 2016 لنجمة سينمائية إباحية، يُزعم أنه كان على علاقة غرامية معها.

سيكون الأمر متروكا لمكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن والفريق القانوني لترامب لفرز الجماهير القادمة من مختلف أنحاء نيويورك، واختيار 12 شخصًا قادرين على وضع مشاعرهم جانبًا تجاه أحد أكثر السياسيين الأميركيين استقطابًا، ومنحه محاكمة عادلة.

واشتكى محامو ترامب من أن مانهاتن التي تتألف من الديمقراطيين في أغلبها، لن تسمح بوجود هيئة محلفين محايدة، وهو الأمر الذي يتفق معه العديد من الخبراء، الذين يقرّون أن الأمر سيكون صعبا.

يقول جيريمي سالاند، المدعي العام السابق في مانهاتن: "لا يوجد أحد في البلاد ليس لديه رأي شخصي، فمعظم سكّان نيويورك احتكوا مع عائلة ترمب، سواء والده أو أطفاله، وعلى امتداد أجيال عديدة"، لكن سالاند يؤكد أن هيئة المحلفين " يجب أن تكون عادلة مهما كانت الظروف، وأن تستمع إلى الأدلة وأن تحمّل المدعين عبء إثبات التهم" لذا المهمة ليست سهلة وفقاً للمدعي العام السابق.

42 سؤالاً لاختيار هيئة المحلفين

تتضمن عملية تشكيل هيئة المحلفين مراحل عدة قد تستمر لأكثر من أسبوع وفق ما قاله ممثلو الادعاء السابقون في بروكلين ومانهاتن لبي بي سي.

ونظراً لخصوصية المحاكمة باعتبارها تخص مسؤولاً كبيراً، فمن الممكن اختيار ما يصل إلى 500 شخص من نيويورك وجزيرة روزفلت المجاورة كمحلفين محتملين.

لاحقا، يقوم فريقا الدفاع والادعاء بفرز المرشحين باشراف القاضي خوان ميرشان، حتى يتم التوصل إلى 12 شخصاً، وعدة أشخاص آخرين كبدلاء، وتكون هوية أولئك المحلفين مجهولة لباقي الجمهور، لكن فريق ترامب والمدعين العامين سيعرفون هوياتهم.

تبدأ العملية بإقالة المحلفين الذين لا يستطيعون المشاركة في المحاكمة التي تستمر ستة أسابيع بسبب صعوبات مثل التزامات رعاية الأطفال وقيود السفر، كما تقول جولي ريندلمان، المدعي العام السابق في بروكلين.

ويقول الخبراء إن المرحلة الثانية يمكن أن تشكل التحدي الأكبر، وهي استبعاد أولئك الذين لن يكونوا محايدين.

يوّضح المدعي العام السابق في مانهاتن سالاند أن "الجميع، وأي شخص، بغض النظر عمن يكون، وبغض النظر عما إذا كان يرتدي نظارات زرقاء أو حمراء، يجب أن يمنحوا الرئيس السابق نفس الحقوق التي يمنحها أي منا، وهي أنه بريء حتى تثبت إدانته".

وللبدء في استبعاد المتحيزين بالرأي، سيقوم المدعون العامون وفريق الدفاع بتحليل الاستبيانات التي يملأها المحلفون المحتملون، إذ يتم طرح أسئلة على المحلفين، بما في ذلك الوسائل الاعلامية التي يتابعونها، وبرامج "البودكاست" الذي يستمعون إليه، و ما إذا كانوا يتابعون ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي وما إذا كانوا قد حضروا تجمعًا حاشدًا للرئيس السابق.

ما هي كيو أنون ومن أين جاءت وما علاقتها بترامب؟

صعود الحركات اليمينية العنصرية المتطرفة في الولايات المتحدة

دونالد ترامب: كيف ينظر المؤرخون الأميركيون إلى إرثه؟

كما سيتم سؤالهم أيضًا عما إذا كانوا يدعمون أو يعتبرون أنفسهم جزءًا من أي جماعة متطرفة يمينية أو يسارية، وعلى وجه التحديد:

حركة " كيو أنون - QAnon": وهي حركة عبر الإنترنت تقوم على نظرية مؤامرة، تزعم بأن النخب في السياسة ووسائل الإعلام والأعمال، قد أنشأوا شبكة للاتجار بالأطفال.

حركة "براود بويز - Proud Boys": وهي حركة أخوية مكونة فقط من الذكور، و تأسست عام 2016، وشاركت بانتظام في الاحتجاجات العنيفة في الشوارع والأحداث المؤيدة لترامب.

ميليشا "حراس القسم - Oath Keepers": وهي ميليشا مكونة من أعضاء عسكريين حاليين وسابقين ومسؤولين عن إنفاذ القانون وغيرهم من المستجيبين الأوائل.

حركة "الثلاثة في المئة - Three Percenters": وهي حركة أخرى مناهضة للحكومة ومؤيدة لحمل السلاح، تم تأسيسها بواسطة أحد أعضاء ميليشيا حراس القسم.

حركة "صبية بوغالو – Boogaloo Boys": حركة غامضة مناهضة للحكومة ساهمت بإحداث اضطرابات خلال الاحتجاجات المناهضة لسياسية الاغلاقات خلال جائحة كورونا، والاحتجاجات التي اندلعت على خلفية مقتل رجلٍ أسود تحت شعار"Black Lives Matter" في عام 2020.

حركة أنتيفا- Antifa: وهو اتحاد فضفاض يضم نشطاء يساريين، تضخم في أعداد منتسبيه وأنشطتهم بعد انتخاب ترامب، واسمه يأتي اختصاراً لمصطلح " مناهضة الفاشية anti-fascist"

يواجه ترامب تهماً جنائية تتعلق بتزوير سجلات تجارية تتعلق بالمدفوعات المقدمة لنجمة سيمائية
EPA
يواجه ترامب تهماً جنائية تتعلق بتزوير سجلات تجارية تتعلق بالمدفوعات المقدمة لنجمة سيمائية

وأكد القاضي خوان ميرشان على أنه لن يتم فرز المحلفين على أساس الانتماء السياسي وحده، وقال في شباط (فبراير) : "المسألة هي ما إذا كان المحلف قادراً على أن يكون محايداً ويستطيع التوصل إلى حكم يتوافق مع القانون".

لكن هذا البند تحديداً أحدث سجالاً بين هيئة الدفاع والمحامين عن ترامب حول ما يعنيه، إذ جادل محامو المدعي العام سابقا بأنه يجب استبعاد أي شخص يعتقد أن الرئيس جو بايدن لم يفز بشكل شرعي في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، من الخدمة في هيئة المحلفين، وهو أمر اعترض عليه فريق ترامب.

في نهاية المطاف، لم يتم تضمين هذه الاستفسارات في الأسئلة الـ 42 التي يجب على المحلفين المحتملين الإجابة عليها، وبدلاً منها، سيتم طرح أسئلة أخرى مثل تلك المذكورة أعلاه، إلى جانب تساؤلات في حال كانوا قد عملوا في هيئة محلفين من قبل، وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كانوا قد توصلوا إلى حكم.

تقول ديانا فلورنس، المدعية العامة السابقة في مانهاتن، إن الأشخاص الذين خدموا في هيئة محلفين في قضية تم تعليقها، أي أنهم لم يتمكنوا من الوصول لحكم فيها، ستكون فرصهم أقل لأن يتم اختيارهم، نظراً للاحتمالات بأنهم يتحملون المسؤولية عن عدم انجاز القضية التي شاركوا فيها.

كما يجب على المحلفين المحتملين أيضًا الإشارة إلى ما إذا كانوا هم أو أفراد العائلة والأصدقاء المقربين قد وقعوا ضحية لجريمة ما، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي تلك الجريمة، وهذا يسمح للجانبين بالحكم على ما اذا كان أولئك الاشخاص لديهم آراء متحيزة في قضايا تزوير السجلات الخاصة بالأعمال استناداً لتجاربهم السابقة.

ويتم طرح بعض الأسئلة الشخصية، حيث توّجه أسئلة عما يفعله أطفالهم لكسب لقمة العيش وما إذا كانوا يتناولون أي دواء قد يمنعهم من التركيز أثناء المحاكمة.

"فحص" المحلفين

وسيتمكن المدعون العامون والفريق القانوني لترامب من تحدي أولئك الذين لا يرغبون في ضمهم إلى هيئة المحلفين.

توّضح فلورنس أن كل جانب لديه 10 طعون "قطعية"، يمكن من خلالها طرد محلفين من دون سبب محدد، كما أن لديهم عدد غير محدود من الطعون المقترنة بسبب، أي أنهم بحاجة إلى وجود سبب وجيه لطرد أي من المحلفين.

يقول سالاند إن هذه المرحلة ستكون بالغة الأهمية بالنسبة لكلا الجانبين لإزالة الأشخاص الذين لن يكونوا موضوعيين بشأن المحاكمة، بما في ذلك أولئك الذين يحاولون عمدًا شق طريقهم إلى القضية من خلال تحريف وجهات نظرهم بشأن ترامب، ويضيف "من المهم أن يقوم المدعون العامون والدفاع بفحص هؤلاء المحلفين والتخلص من أولئك الذين يعتقدون أنهم لن يقوموا بعملهم".

ومن أجل المساعدة في هذه المرحلة، من المرجح أن يقوم محامو الدفاع والادعاء بتعيين خبراء للنظر في منشورات المحلفين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن توفر "كنزًا من المعلومات فيما يتعلق بآرائهم وتحيزاتهم المحتملة"، وفق جولي ريندلمان، المدعي العام السابق في بروكلين.

وسيبحث الجانبان أيضًا عن أولئك الذين لم يتخذوا قرارهم بعد بشأن هذه القضية، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للمحاكمة التي حظيت بمثل هذه التغطية الإعلامية المكثفة.

لكن الخبراء أشاروا إلى أن قضية ترامب لن تكون أول محاكمة رفيعة المستوى للمدعين العامين وفرق الدفاع الذين يبحثون عن مجموعة محايدة من سكان نيويورك.

استغرق الأمر ما يقرب من أسبوعين لفرز المحلفين في محاكمة الاعتداء الجنسي لمخرج هوليوود الموصوم بالعار هارفي وينشتاين في نيويورك في عام 2020.

تقول ريندلمان إن الأمر قد يستغرق وقتًا طويلاً، إن لم يكن طويلاً جدا، للعثور على الأشخاص المستعدين لمنح ترامب محاكمة عادلة.

وتضيف: "نحن بشر، وبالتالي فإن تحيزاتنا تتسلل إلينا، حتى عندما لا نريدها أن تفعل ذلك، إنه أمر ممكن التنفيذ، لكنه سيكون صعبا".