وحيد عبد المجيد 

أصبحت السيارات والسكاكين أكثر أسلحة الإرهاب انتشاراً في أوروبا الآن. شهر ونيف فقط بين قتل فتاتين في محطة قطارات سان شارل في مرسيليا الأسبوع الماضي، ومصرع 14 شخصاً وإصابة 34 آخرين دهساً بسيارة استقلها إرهابي في برشلونة.

الدهس هو «أحدث» أساليب استخدام السيارة في العمليات الإرهابية، بعد إطلاق نار من نافذتها سعياً إلى اغتيال شخص أو أكثر في سيارة مجاورة على الطريق، وتفخيخ سيارة أو تلغيمها ثم تفجيرها عن بُعد، أو قيادتها بوساطة إرهابي في عملية انتحارية.

ويلجأ إرهابيون إلى أسلوب الدهس، والطعن بسكين، الآن تحت ضغط الحصار وإحكام إجراءات الأمن في الدول التي يستهدفها الإرهاب. والدهس هو أبسط أساليب استخدام السيارة كسلاح للإرهاب، وأسهلها. لا يتطلب الأمر سوى الضغط على دواسة البنزين لتحويل سيارة ركاب أو شاحنة إلى سلاح فتاك يقتل ويصيب ويثير الذعر في المناطق المستهدفة.

بدأ استخدام هذا الأسلوب، بالتوازي مع الطعن بسكين، بتحريض من الناطق باسم تنظيم «داعش»، أبو محمد العدناني، في شريط صوتي تم بثه في أواخر عام 2014 قبل مقتله. فقد خاطب العدناني في هذا الشريط من ينجح التنظيم في غسل عقولهم، لكنهم لا يلتحقون به، وأرشدهم إلى أسلوب الدهس والطعن قائلاً: «إذا لم تتمكن من إلقاء قنبلة، أو فشلت في فتح النار، يمكنك الطعن بسكين أو الدهس بسيارة».

ويستخدم إرهابيون مغسولة أدمغتهم سيارات متفاوتة الأحجام والأنواع في دهس مئات الأبرياء في عدة مدن أوروبية منذ أكثر من عامين. كانت عملية الدهس الأولى في وسط مدينة جراتس بالنمسا في يونيو 2015، وقُتل فيها ثلاثة أشخاص وأُصيب 34 من المارة ورواد المقاهي والمتاجر. لكن العملية التي وقعت في قلب مدينة نيس الفرنسية في يوليو 2016 هي الأكبر حجماً، والأخطر نوعاً لما انطوت عليه من رمزية استهداف فرنسيين كانوا يحتفلون بالعيد الوطني لدولتهم (يوم الباستيل). فقد قاد إرهابي شاحنة تزن 19 طناً، واقتحم حشود المحتفلين الفرحين، فحوَّل بهجتهم إلى مأساة، وقتل 86 منهم وأصاب عشرات آخرين.

وامتد إرهاب الدهس بالسيارات إلى برلين في مناسبة لها دلالتها الرمزية أيضاً، وهي الاحتفال بأعياد الميلاد في ديسمبر 2016. فقد استخدم إرهابي شاحنة صغيرة في الهجوم على سوق خلال ذلك الاحتفال، فقتل 12 شخصاً وأصاب بضعاً وخمسين آخرين.

وانتقل هذا الأسلوب الإرهابي بعد ذلك إلى لندن في مارس 2017، عندما قاد إرهابي سيارة أجرة عبر جسر ويستمنستر المشهور، وقتل أربعة من المارة على الرصيف، وأصاب العشرات. وعندما اصطدمت السيارة بالسور، توجه إلى ساحة البرلمان، وطعن شخصاً بسكين قبل أن تصيبه رصاصة أطلقها رجل شرطة.

ولم تنج ستوكهولم الهادئة البعيدة عن صراعات العالم من أسلحة الإرهاب الجديدة، فقد قاد إرهابي شاحنة واستهدف حشوداً في شارع رنيسي في أبريل لماضي فقتل أربعة أشخاص وأصاب 15 آخرين.

وعاد إرهاب الدهس إلى فرنسا في أول أغسطس الماضي، لكن في باريس حيث صدم إرهابي بسيارته مجموعة جنود فأصاب ستة منهم. وكانت هذه العملية الصغيرة قبل أيام على هجمة كبيرة في برشلونة في منتصف الشهر نفسه حيث قُتل 14 شخصاً وأُصيب عشرات آخرون ينتمون إلى 34 جنسية في عملية دهس نُفذت على عجل، إثر اكتشاف الشرطة خطة لتنفيذ عدة هجمات إرهابية كبيرة.

ورغم بساطة أسلحة الإرهاب الجديدة، وبدائيتها، فيشتد خطرها في المرحلة الراهنة لثلاثة أسباب. أولها أنها تُسهِّل مهمة الإرهاب في أي مكان، إذ تُغني عن السعي إلى الحصول على متفجرات لتفخيخ السيارة أو لحشو حزام يصبح ناسفاً، أو لصنع قنابل أو عبوات توضع في موقع مستهدف، أو البحث عن سلاح ناري لاغتيال شخص أو أكثر.

والسبب الثاني هو صعوبة كشف الشخص الذي يتوجه لتنفيذ عملية إرهابية بهذه الطريقة. فهو لا يحمل أسلحة أو متفجرات قد تدل عليه أو تكشفه.

أما السبب الثالث فهو أن الشوارع والميادين تعج بالسيارات طوال ساعات النهار، الأمر الذي يجعل تمييز السيارة التي يقودها إرهابي مهمة مستحيلة.

والأرجح أن يزداد اللجوء إلى الدهس والطعن في الفترة المقبلة التي ستتواصل فيها هزائم «داعش» في سوريا والعراق، سواء بهدف الحد من إحباط أنصاره، أو سعياً إلى لفت انتباه وسائل الإعلام التي تنقل أنباء هذه الهزائم طول الوقت.