عبدالله بن عبدالكريم السعدون

اليوم تقف الأمم المتحدة في صف واحد مع الانقلابيين متناسية كل ما جلبوه من مآس وحصار للمدنيين العزل في تعز، وتعطيل المدارس وتجنيد آلاف الأطفال في صفوف قواتها..

الكتابة عن اليمن تنقلني إلى أربعين عاما مضت حيث عملت مدرساً للطيران، حينها كانت صنعاء من أجمل العواصم العربية من حيث مناخها وجمال تضاريسها وأسواقها العتيقة وأهلها الطيبين، أذكر تلك السيدة ومطعمها الذي نقف عنده في كل مرة ونحن في طريقنا من صنعاء إلى تعز ونتناول وجبتنا المفضلة من السلتة والخبز الطازج من يد تلك السيدة المكافحة التي تختصر جمال اليمن وعفويته، نستمتع بمنظر الشلال النازل من الجبال المحيطة بلواء إب. في تلك السنة لم يمض على تولي الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح سوى أشهر، وقد قابلته أكثر من مرة وقرأت في عينيه غموضا يجمع بين متناقضات كثيرة، اتضحت فيما بعد أثناء مسيرته الطويلة وخاصة موقفه من غزو العراق للكويت، أكثر مآسي اليمن في عهده كان نتيجة الفساد المستشري، ودخول إيران إلى صعدة وتأسيس نواة لحزب ديني يحاكي حزب الله في لبنان، وبفكر ديني يكرس السلالية والمذهبية، ويعيد اليمن إلى ما قبل الثورة ويزرع بذور التخلف والتفرقة على المدى الطويل.

واليوم تقف الأمم المتحدة في صف واحد مع الانقلابيين متناسية كل ما جلبوه من مآس وحصار للمدنيين العزل في تعز، وتعطيل المدارس وتجنيد آلاف الأطفال في صفوف قواتها، وزرع ملايين الألغام على خطوط التماس وعلى شواطئها لتصبح فيما بعد مصائد للنساء والرجال والأطفال عشرات السنين بعد ذلك.

الأمم المتحدة تأثرت بمنظمات تعمل مع الحوثيين وتستمد معلوماتها منهم دون أن ترى الواقع على الأرض، بل اكتفت بتقارير منظمات ومؤسسات تدعمها إيران وتستثمر قوة تواجدها في المنظمات الدولية، نسيت الأمم المتحدة أنها أصدرت القرار 2216 القاضي بحل سياسي يجرد الحوثيين من أسلحتهم ويخلص المدن اليمنية من سيطرتهم، ومن أخطر ما تقوم به الأمم المتحدة هو تمويل طباعة كتب دراسية عن طريق منظمة اليونسكو أدخلت عليها المليشيات الحوثية مضامين طائفية تحث على الكراهية وهذا من أخطر ما يمكن أن تبتلى به اليمن.

لا أعول كثيراً على الأمم المتحدة ومساعيها ولا مندوبها إلى اليمن الذي استساغ الإعلام والتنقل بين عواصم المنطقة دون أن يتقدم في طريق السلام خطوة واحدة، والأمم المتحدة لم تنجح في وقف الحروب في معظم مناطق النزاع في العالم، والحلول لا تتحقق إلا عن طريق جمع الأطراف المتنازعة على طاولة واحدة أو هزيمة المعتدي وتجريده من كل دعم في الداخل والخارج، وتسليم سلاحه وعودته كحزب سياسي له من الحقوق ما للأحزاب الأخرى.

اليوم اليمن يعيش مآسي كثيرة ويحاصره شبح الجوع والمرض والأمية، وتجد فيه المنظمات الإرهابية البيئة المناسبة للتواجد سواء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية كمدن الجنوب، أو التي تسيطر عليها القوات الانقلابية، اليمن بحاجة إلى جهود مكثفة لإحلال السلام، ومن أهمها هزيمة الحوثيين عسكرياً وفكرياً كما يجب أن يجردوا داخلياً من كل أنواع الدعم المادي والمعنوي، وكسب المزيد من المخلصين من الأحزاب وشيوخ القبائل وخاصة من وقفوا على الحياد ولم ينساقوا إلى حكومة الانقلاب، وبدون ذلك لن يقبل الانقلابيون بالسلام ولا بتشكيل حكومة مدنية تمثل الشعب اليمني بكل فئاته، فالحوثيون لن يرضوا إلا بحكم اليمن كاملاً والسيطرة على التعليم وعلى المراكز المهمة وتهميش القبيلة والتي لها دور كبير في منع انزلاق اليمن إلى حرب أهلية طويلة.

الحرب توجد طبقة من التجار والقادة تتكسب عن طريق بيع الأسلحة والوقود والمساعدات وتزوير مستندات المجندين، وهؤلاء يحرصون على استمرار الحرب لا توقفها، وفي حرب اليمن في الستينيات لم يكن للحرب بين الجمهوريين والملكيين أن تتوقف لولا ضغط المملكة ومصر على كلا الجانبين المتحاربين وإجبارهم على الجلوس معاً على طاولة واحدة للتوصل إلى حل.

مصلحة اليمن تقتضي أن يعمل كل أبناء اليمن الشرفاء مع الحكومة الشرعية من أجل مصلحة اليمن لإيقاف الحرب والعمل على تشكيل حكومة منتخبة، والبدء مع المملكة في إصلاح ما دمرته الحرب وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والخدمات الضرورية الأخرى، فلا يوجد في العالم دولة يمكن أن تقدم ما قدمته وتقدمه المملكة لليمن. العلاقة بين المملكة واليمن تنطلق من إستراتيجية بعيدة المدى، فالمملكة ودول مجلس التعاون وهي الامتداد الطبيعي لليمن وليس إيران أو غيرها.