علي نون

صعب في الإجمال الافتراض أنّ «موافقة» الروس على «إعطاء» الإسرائيليين «حزاماً أمنيّاً» داخل الأراضي السوري بعمق يتراوح بين عشرة وخمسة عشر كيلومتراً، تمّت من دون التشاور المسبق مع «المعنيين» بالأمر في الجهة الممانعة، أي مع الإيرانيين وأتباعهم في «حزب الله» طالما أنّ هؤلاء هم الذين تطلب إسرائيل إبعادهم عن «حدودهم»!

طبعاً، هذه التوليفة تتم وتُنجز فيما بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد، في عالم آخر! وليس لها في عالم سوريا الراهن، سوى متابعة اللغو بهوايتها الأثيرة المتعلقة بالحديث عن «السيادة»! والخروج بين الحين والآخر لتذكّر مَن ينسى أنها لا تزال حيّة تُرزق! وإنها تُصدر «مواقف» و«بيانات» و«إدانات». وتقول للأتراك مثلاً، إنّ وجودهم في الشمال «غير مقبول»! وللأكراد في الشمال الشرقي إن مظلّة الحماية الأميركية لهم لن تستمر إلى الأبد! ثمّ تذهب في الشطط إلى حدود «إدانة» موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إيران و«الاتفاق النووي»! ثم متابعة استجداء «عودة» التنسيق مع لبنان! من أجل «عودة» النازحين إلى سوريا! من أجل «عودة» الفتك بهم، قبل «عودتهم» مجدداً إلى لبنان!

إلا أنّ الفضيحة ليست عند الأسد هذه المرّة، بل عند حُماته ورُعاته! وهؤلاء، من الجنرال الروسي وزير الدفاع سيرغي شويغو، إلى رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني أمير باقري، إلى الداعين في نواحينا إلى عودة «التنسيق» معه، لا يعوّفون فرصة في الشكل والمضمون لإظهار مدى «احترامهم» للسيادة التي يحكي عنها فصيح دمشق.. وآخر ظواهر ذلك الأداء، هو «الإنجاز» الأخير المتمثل بالوصول إلى تفاهم (سمِّهِ ما شئت) مثلّث الأضلاع حُكماً، لضمان أمن «الحدود الإسرائيلية» التي تمدّدت في العام 1967 إلى الدواخل الجولانية، ثمّ ترسّخت بإعلان مناحيم بيغن رئيس الحكومة السابق، ضمّها «رسمياً» في العام 1981!

.. أي أن الروس، الواضحين بالمناسبة منذ بداية «عاصفة السوخوي» في أيلول 2015، لعبوا مرّة أخرى دور الجسر الرابط بين الأعداء! وصِلَة الوصل التي «لا بدّ منها»، بين الإيرانيين والإسرائيليين في سوريا! وأمكنهم النجاح في توزيع مراكز «النفوذ والأمان» على كل الأطراف غير السورية، المعنية بالنكبة السورية. وكان طبيعياً بالنسبة إليهم أن يقولوا سابقاً، إن عملياتهم القتالية الجوية (والأرضية) منسقة سلفاً مع الإسرائيليين منعاً لاصطدام غير مأنوس! أو بالأحرى (والحقيقة) تعبيراً عن أخذهم علاقاتهم بتل أبيب على محمل الجدّ الذي لا يحتمل مزاح أهل الممانعة! ولا أناشيدهم الأثيرة عن «الحلف» الذي سيدمّر الأعداء أينما كانوا، وأيّاً كانوا! ثمّ كان طبيعيّاً اليوم كشفهم (من موسكو) النقاب عن نتائج زيارة الجنرال شويغو الأخيرة إلى إسرائيل بغضّ النظر عمّا إذا كان ذلك سيحرج مجدداً، هؤلاء «الحلفاء» المدّعين!

وقد يقول قائل، بأنّ لا شيء سيحرج محور «الانتصار الإلهي» في سوريا طالما أنّه لم يصب أصلاً بأي حرج من كشف الخطوط المباشرة الرابطة بين قاعدة حميميم الروسية وغرف العمليات العسكرية في تل أبيب.. وسيرورة المعارك على الأرض تحت ذلك العنوان الطنّان! وطالما قبل هذا وبعده، وفوقه وتحته، لم يجد أي حرج في إنزال نكبة العصر بدولة مثل سوريا وبأهلها والتلحّف بلحاف «محاربة الإرهاب»! لكن المستجدّ الراهن الخاص بـ«الحزام الأمني»، أو بـ«الشريط الحدودي» الحامي لإسرائيل ومستوطناتها واحتلالها، يبدو أقرب إلى الفضيحة من أي شيء آخر. أولاً، لأنّ الأمر تمّ كي يُنفّذ! وثانياً لأن أهل الممانعة انصاعوا وخفّضوا رؤوسهم أمام الإرادة الروسية – الإسرائيلية! وثالثاً لأنهم ارتضوا سلفاً وبراحة ضمير، أن يطمئنوا «العدو الصهيوني الغاشم» على عدم نيّتهم التصعيد في جبهة الجولان.. ولا الزحف عبرها لتحرير القدس المحتلّة!

المهم عندهم، مجدداً ومراراً وتكراراً، هو تأكيد مشروع الغلَبَة على العرب والمسلمين «الآخرين»! ومتابعة الردح بحديث «الإنجازات» و«الانتصارات».. وبعد ذلك، كل شيء يهون بما فيه «إهداء» إسرائيل منطقة آمنة لتزنير احتلالها الجولان والتمتع بعطاءاته من دون قلق!.. ثمّ متابعة الزحف المقدس لتحرير سوريا من أهلها!