إيلي الحاج

عندما سألت سياسياً لبنانياً عريقاً يعرف جيداً قيادات المملكة العربية السعودية من جيل إلى جيل أن يصف لي شخصية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أجابني بسؤال: سأهوّنها عليك؟ هل أُتيح لك التعرف إلى الشيخ بشير الجميّل؟ أجبته كلا، ولكن أعرف عنه الكثير. أجابني أنه (محمد بن سلمان) بشير الجميّل، أكثر قليلاً. وماذا يعني إمساكه بقرار السعودية لنا نحن اللبنانيين؟ وكان الجواب: لن نستطيع التوقع. ليس عنده مستحيل.

تذكرت هذا الوصف لولي العهد السعودي الشاب، والذي يعود إلى أشهر مضت، حين أعلن الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته تلفزيونياً من الرياض. ربما لأن قرار السعودية تصليب موقف أهم حلفائها في لبنان من أجل مواجهة التحديات الإيرانية المتصاعدة للدول العربية، رافقه انطلاق حملة ضد الفساد في المملكة شملت عشرات الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين ورجال الأعمال. حملة لا مثيل لها في تاريخ المملكة لاقت دعماً شعبياً واسعاً، على غرار قرارات سابقة بالانفتاح على الحداثة، تعلن أن زمناً مختلفاً يهب على العرب ولبنان ولم تعد أمامها محرمات ما دام المصير صار موضوعاً على المحك في السعودية والمنطقة في آن واحد. ولعلّ الصاروخ الباليستي الذي أطلق من الأراضي اليمنية في اتجاه الرياض، وأُلحق به تحريض من جريدة "كيهان" الإيرانية على قصف دبي وغيرها من المدن العربية، ساهم في تعجيل قرار المواجهة.

فوق ذلك تأكدت القيادة السعودية من امتلاك الحوثيين عدداً لافتاً من طائرات بلا طيار وتكوّن لديها اقتناع بأن "حزب الله" الخبير في هذه المجالات العسكرية يقف وراء هذه التحديات والتهديدات. في السياق، لم يعد منطقياً القبول بأن يكون حلفاء للسعودية شركاء للحزب في حكومة لبنانية يسيطر على قرارها من خلال تمتعه بغالبية فيها، وتوفر له تغطية رسمية تحت ستار تسوية لم يحترم "حزب الله"بنودها يوماً، بل نكل بها واحداً تلو آخر بتدخلاته العسكرية والأمنية، كما بمواقف أمينه العام الكلامية حيال الدول الخليجية.

تلقى الرئيس الحريري صباح السبت الماضي اتصالاً من المملكة، كان ينتظره منذ زمن، للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز. فور وصوله إلى الرياض انعقد اجتماع أمني – سياسي، اطلع خلاله على وقائع فحواها أن التساهل مع "حزب الله" لم يدفعه إلى تعديل أساليبه، بدليل معطيات توافرت عن مراقبة الحريري واعتراض اتصالاته الهاتفية، مما يؤشر على الأرجح إلى نية لتكرار جريمة اغتيال والده الشهيد. لذلك سيقول لاحقاً الوزير السعودي ثامر السبهان "يكفي عائلة الحريري شهيد واحد".

سمع الحريري أن المملكة لم تعد تستطيع تغطية حكومة تأخذ مساراً ضدها، بعدما قدمت إلى لبنان ما قدمت، ويكفي تذكر مؤتمرات دعمه في باريس 1 و2 و3 . وسئل تكراراً ماذا ستفعل؟ كان منذ مدة اقتنع بأن "التسوية" انتهى مفعولها ببطء، وعلى مراحل، في السنة الأولى من العهد الرئاسي . 

وكان قراره الاستقالة. على الأثر وُضعت الكلمة التي وجهها إلى اللبنانيين وحضر فريق تلفزيوني وأعلن الاستقالة. ثم التقى الأمير محمد بن سلمان وفي اليوم التالي استقبله العاهل السعودي بمظاهر تكريم وفي حضور وزراء.

وفي بيروت سادت بلبلة شاركت في إحداثها قيادة "حزب الله" وفريق 8 آذار، وانقادت إليها أوساط القصر الجمهوري، وحتى بعض الدوائر في فلك "تيار المستقبل" تأثراً بحملة لحرف الأنظار عن الموضوع الرئيس وصلت إلى ذروتها في كلمة الأمين العام السيد حسن نصرالله. وتلتها حملة تمويه ثانية للهرب مرة أخرى من الموضوع تحت عنوان أن استقالة الحريري غير نهائية، يمكنه الرجوع عنها.

هذا ما حصل. أما ما سيحصل فهو إصرار على إجراء استشارات ملزمة وفقاً للدستور لتكليف من تحدده غالبية نيابية بتشكيل الحكومة الجديدة. والأرجح أن الرئيس الحريري سيحمل لقبي "رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس الحكومة المكلف" لزمن طويل، لأن لا عودة إلى شروط التسوية السابقة التي فرضها "حزب الله". 

والخيار الآخر هو حمل الحريري على الاعتذار عن التأليف بـ"قمصان سود" أو بدونها، والذهاب تالياً إلى حكومة من لون واحد تحت تسمية "تكنوقراط" . ولن يُعدم الحكم شخصية تقبل بتولي هذه المهمة.

ما يثير الخشية في حال اعتماد هذا الخيار أن مناهضي سيطرة "حزب الله" على لبنان لا يمانعون أن يشكل الحزب الحكومة وحده . وليتحمل لبنان الرسمي مع الحزب مسؤولية ما ستؤول إليه تطورات المواجهة المرتقبة.

مواجهة سياسية بالطبع، ولكن لا يمكن استبعاد احتمال تطوّرها في منحى غير سياسي، ما دامت القضية أفلتت من أيدي الداخل بفعل الإصرار على التورط في حروب الخارج. ومن يدري، قد يتحوّل التحالف العالمي لضرب "داعش" تحالفاً لضرب الإرهاب، والمقصود به "حزب الله". وقد تكون الضربات من أنواع وأبواب لا يعلم بها أحد، في بلد صغير كان موعوداً بانتخابات نيابية، بعهد مستقر وقوي.