عبدالله العوضي

قطر تتهاون مع آخر معقل للتعاون بيد العرب، هذه خلاصة كلمة الأمير صباح الأحمد، بعد أن بذل جهوداً مضنية لرص الصف الخليجي بدعوته لانعقاد القمة الخليجية في وقتها بدولة الكويت الشقيقة وبحضور الجميع.

منذ هذا الخطاب الأميري في افتتاح جلسة مجلس الأمة الكويتي والمحللون يضربون أخماس أفكارهم في أسداسها بتكهناتهم عن انعقاد هذه القمة من عدمه.

وبالأخص عندما خرجت بعض التسريبات غير الرسمية عن احتمال تأجيله لستة أشهر لعلّ قطر في معادلة «الغنم القاصية» تعود إلى السرب بعد الإصرار على الذهاب بعيداً عن أشقائها في حضن الغرباء من الأتراك والإيرانيين غير الدافئ ومن معهم من تنظيمات الإرهاب والتطرف، وعلى رأسهم تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي، وغيرهم من أباحوا الساحة العربية لمزيد من الفوضى الخلاقة في نشر الدمار.

لماذا هان مجلس التعاون على النظام في قطر، وهو المنظمة التي كافحت للبقاء كواحدة من أعرق المنظمات العربية في المنطقة بعد أن تراجعت المنظمات الأخرى عن أداء دورها المطلوب، وعلى رأسها الجامعة العربية، والاتحاد المغاربي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومن قبلها بعقول الاتحادات العربية التي انهارت في المهد.

يحصل هذا في زمن يحترم العالم فيه التكتلات، ولا يعير اهتماماً يذكر للمفردات المتناثرة، وحتى أميركا لم يكن لها ذكر في التاريخ المعاصر إلا بعد اتحاد ولاياتها الخمسين، وصار لأوروبا وزن أثقل بعد الاتحاد الأوروبي وتوحيد العملة وغيرها من المسارات، وعلى مستوى آسيا هناك «آسيان»، وفي الاقتصاد قمة الثمانية الكبار، و«نافتا» في أميركا الشمالية، وهناك تكتل الدول البازغة «بريكس»، والعالم أجمع متكتل في الأمم المتحدة والعصر عصر التكتلات، إلا بعض الدول الأوروبية التي فضلت الحياد وبناء منظومة خاصة بها لا تتعارض مع عالم الكبار، بل أشد تعاوناً وتنسيقاً في النائبات قبل المسرات.

مجلس التعاون الخليجي إيقونة العرب المضيئة حتى الساعة، ولا نتمنى لها أي انطفاء بسبب قطر، فعلى هذا المجلس المضي في تحقيق أهدافه ولو بأعضائه الخمسة إلى حين، وأي تراجع عن هذا الحين يؤثر على قرابة أربعة عقود من الإنجازات الواضحة، ولو كانت متباطئة فلا ضير، فإنجاز بطيء عميق خير من قفزات غير محسوبة النتائج.

ولعلنا نأخذ من قطر درساً في عدم التهاون بهذا التعاون الملموس لدى شعوب الخليج، فلا شك في أن من ينظر إلى الخليج قبل هذا التعاون واليوم يجد أن الوضع مختلف حتى وإن لم يصل المجلس إلى مرحلة الوحدة، فعلى أقل تقدير من المهم ألا تتراجع مشاريع التكامل كالجواز الموحد، والقطار الموحد، والقوانين الموحدة في شتى مجالات الحياة، فهذا الأمر لا يستهان به خلال هذه المسيرة المباركة التي استطاع المجلس أن يقف فيها شامخاً أمام رياح التغييرات التي حامت من حوله، ولم تفت في عضد محمل الخير الخليجي.

إذا كان من أهداف النظام القطري هدم كل منجزات مجلس التعاون من الأساس، فعلى القادة الحكماء والخلصاء ألا يعطوا هذه الفرصة لقطر لتنفيذ مخططاتها التدميرية في المنطقة، فهم بتجمعهم أعقل من عقل النظام الحاكم في قطر للذهاب إلى مرادها والتخلي عمّا قامت به منذ عقود بخطوات محمومة حتى ساعة الوصول إلى هذه اللعبة القطرية الماكرة.

ولدينا مثال صارخ على مضي الاتحادات القوية في طريقها على رغم تخلف البعض عن المضي معها، فبريطانيا مع «بريكست» خير شاهد على إصرار الاتحاد الأوروبي على إتمام أهدافه رغم سقوط نجمة واحدة من علمه ورغم وجود مشاريع سقوط نجوم أخرى إلا أن عدد الذين ينتظرون الانضمام إلى هذا الاتحاد أكبر من عدد المحتملين في الخروج عن مظلته إلى الطرف القصي شرقياً كان أو غربياً.

نحن من أوجب الله علينا في كتابه الكريم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا...)، «سورة آل عمران: الآية 103»، ونحن من علمنا أطفالنا منذ نعومة أظفارهم بأن العصي المتجمعات عصية على الكسر بعكس المتفرقات في مناهجنا الدراسية، فهذه الحقائق لا تتغير، وهذه المبادئ لا تتحول، وإن تغيرت سياسات الدول تجاه بعضها بعضاً، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يؤثر على مشاريعها في التعاون والتكامل والاتحاد في يومٍ ما، وإن لم يحدد تاريخه ولكن لا ينبغي التنازل عن المضي قدماً تجاهه مهما طال بنا الزمن.

لأن تفرقنا يضعف عطاءنا، ويطمع فينا القريب قبل البعيد، والصديق قبل العدو، فمجلس التعاون الخليجي جزء من هذه المعادلة الواقعية في التعامل مع الأزمات، فحرب الخليج الأولى والثانية لم تؤثر فيه قيد أنملة، فنأمل أن يكون التحدي القطري على قدر حجمها لا حجمنا جميعاً.