رياض نعسان آغا

لا يمكن أن تضحي المملكة العربية السعودية بحق من حقوق الشعب السوري، وهي التي دعمت قضيته بقوة، منذ أن بدأت وساطاتها مع الأسد في بداية الاحتجاجات، وحاولت أن تقدم النصح والمعونة للنظام، كما فعلت دولة الإمارات لإيقاف العنف الذي تصدى به للتظاهرات السلمية حين قابلها بالقتل المبرمج، وحين لم يصغ النظام لكل من نصحوه، وقفت المملكة ودولة الإمارات وعدد كبير من أصدقاء سوريا إلى جانب الشعب الذي كان يشيع الضحايا بالعشرات ثم المئات، وبدأت بتقديم العون والإغاثة وتضميد الجراح.

ولم تتوقف المملكة العربية السعودية عن تقديم الدعم اللوجستي والسياسي في كل المحافل الدولية، وقد تجلى دعم المملكة ودولة الإمارات فيما وجدناه من رعاية مشتركة لمؤتمر الرياض الأول، وحين قدمت الهيئة العليا اقتراحها للمملكة بتوسعة الهيئة العليا وضم شخصيات وطنية سورية إليها، مع موافقة الهيئة على تمثيل منصتي موسكو والقاهرة، استجابت المملكة، وكانت هيئة المفاوضات تريد من هذا الاقتراح سد الذرائع، حيث بدأت دول صديقة فضلاً عن دول أخرى تدعم النظام، تتهم الهيئة العليا ووفدها المفاوض بأنه لا يمثل كل قوى المعارضة، وأن عليه أن ينفذ القرار 2254 الذي يذكر منصتي موسكو والقاهرة، وكنا في الهيئة قد دعونا المنصتين للمشاركة، لكنهما رفضتا، ولا ننكر أن دعوتنا للمنصتين كانت على أساس بيان الرياض 1 الذي تم رفضه من منصة موسكو، التي رأت في الحديث عن رحيل الأسد شرطاً مسبقاً، وهذا كان رأي روسيا وليس رأي المعارضة الوطنية التي تفهم أن الانتقال السياسي المنشود يعني إنهاء عهد الديكتاتورية وبدء عهد الديمقراطية، وهذا لا يمكن أن يتحقق بوجود نظام الأسد.

ومع بدء مؤتمر الرياض 2 ظن بعض المعارضين أن المملكة العربية السعودية تخلت عن مطلب الشعب السوري برحيل الأسد على رغم إعلانها أنها تدعم خيارات السوريين، وهذا ليس صحيحاً، فالمملكة لم تطلب من مؤتمر الرياض 2 أن يحذف إشارته الواضحة إلى ضرورة رحيل الأسد، وقد بقي رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات ذاته رئيساً للوفد الجديد. وبقي في الهيئة عدد كبير ممن حضروا المؤتمر الأول، وهم اليوم المعنيون بالتمسك بمبادئ الثورة وأهدافها، ولا يملك أحد أن يضغط عليهم للقبول بما لا يرضي الشعب، ولكن السؤال الأهم: هل بوسع وفد الهيئة العليا السابق أو الراهن أن يفرض مطالبه على مجلس الأمن؟ الجواب الواقعي «لا» فالقرار 2254 يحمل في بنيته منافذ يستخدمها النظام و«دي مستورا» معاً فيما سمي الغموض البناء الذي صار معطلاً لإحراز أي تقدم في المفاوضات، فلا بد من أن يوافق الطرفان، ومحال أن يوافق فريق النظام على رحيل الأسد أو على الانتقال السياسي، وهذا يعني أنه لا بد من إرادة دولية تنشئ رؤية جديدة، وكنا قدمنا في الهيئة العليا السابقة رؤية عملية، تم إطلاقها في لندن ثم في الجمعية العامة، تقوم على القبول بالتشاركية مع من لم تتلوث أيديهم بدم من فريق النظام، ورسمنا سيناريوهات واقعية بالتفاصيل لهيئة الحكم المنشود، وللمجالس التي ينبغي أن تؤسس للبدء بتنفيذ القرار 2254، ودعونا منصتي موسكو والقاهرة للمشاركة بممثل أو ممثلين عن كل منهما، ولم نلقَ استجابة من المجتمع الدولي الذي اكتفى بالثناء على رؤية الهيئة، ولكنه كان يصغي لرؤية موسكو التي تصر على بقاء الأسد.

ولكن ما سمي بالمتغيرات الدولية التي تمت الاستجابة لها، هو من وجهة نظري سر لم يعلن بعد، وربما يكون هذا السر سبب قبول دول صديقة بتلبية الرؤية الروسية، ومن المؤكد أن اتفاقات مستقبلية مهمة قد تمت في لقاء بوتين مع الأسد في سوتشي، ثم في لقاء بوتين وأردوغان وروحاني في سوتشي أيضاً، وقد سبقت هذه اللقاءات مباحثات مهمة بين موسكو والرياض، وواكب ذلك لقاء بوتين وترامب في فيتنام والبيان المقتضب الذي أعلناه، فضلاً عن تصريحات تيلرسون المتكررة التي تصر على رحيل الأسد وعائلته.

ندرك أن بوتين دافع عن النظام بقوة غير مسبوقة، ولكنه يبدو مضطراً للانسحاب سريعاً من سوريا خلال شهور قليلة قادمة، فأمامه انتخابات في روسيا، ولا بد أنه يخشى صداماً مع الموقف الأميركي من إيران رغم التحالف، وليس بوسع بوتين أن يتحمل وزر إيران وطموحاتها التوسعية، ولا بد أن لديه سراً يخبئه نحو الحل الذي يريده في سوريا وانتصاراً آخر يعزز شعوره بنشوة النصر على «داعش» وقضائه على الإرهاب ليبرر أمام شعبه تدخله الأعنف في القضية السورية، ولن يتركه الأميركان القائد المتفرد في العالم، وهذا كله يعزز عندي وجود سر همس به بوتين لبعض القادة المعنيين مما دعاهم للتجاوب، وهم جميعاً يدركون أن بقاء الأسد يعني بقاء إيران و«حزب الله» وكل الميليشيات الطائفية وتصاعد الصراع، وبقاء المنطقة كلها في مهب الريح.