علي سعد الموسى

واستكمالا لما كتبته الأربعاء الماضي، فقد كانت عودة الخميني إلى طهران ومن ثم ثورة الجمهورية واحدة من أسباب بذور صناعة الإرهاب ونشر الفوضى والتطرف في خارطة هذا الشرق.

ومن سيقرأ التاريخ في بحره العميق وجذره الممتد إلى قرون طويلة سيكتشف أن الخميني وزمرة الملالي الواسعة هم أول من أساء إلى مفاهيم «التشيع» المحمود الذي كان من قبل محبة وتقربا لآل «البيت»، وأحالوه إلى شيء لا يشبه سوى الكهنوت الديني المغلف بالأساطير والخرافة. وفي العموم، فليست مهمتنا اليوم تحليل ما يمكن تسميته علنا بالانـحراف الشيعي رغم ما فعله هذا الانحراف في تقديم صورة الإسلام بشكل موغل في السلبية، وهم، للأمانة، لم يكونوا الطائفة الوحيدة التي أوغلت في تشويه الصورة.
ما يهمني اليوم هو أن أبدأ من جملة مقال الأمس الأخيرة. كان الخطأ التاريخي لكل بقية الخارطة الإسلامية أنها واجهت هذا المشروع العقائدي الخميني بمشروع عقائدي مضاد حتى أصبح الصراع مجرد منازلة بين مشروعين عقائديين، وكأننا نحاول إثبات صواب ومشروعية ما هو صائب سليم في الأصل. كان المفترض مواجهة كهنوت الملالي وثورة خرافاتهم وأساطيرهم بمشروع مدني تنموي يترك لكل الشعوب، على الطرفين فرصة الحكم على الفارق الهائل ما بين الأنموذج وبين المستنقع، ما بين التنوير ومرة أخرى ما بين الكهنوت. هذا المشروع المدني التنموي لا يعني إلغاء المشروع الديني، فالإسلام دين بناء واستخلاف.
تعالوا لنتذكر بعض المقاربات من أمثلة الشواهد التي انتصر فيها المدني التنموي في مواجهة الأيديولوجي العقائدي. سقط جدار برلين لأن ألمانيا الغربية بنت في أقل من أربعين سنة أنموذجا عصريا في مرمى بصر أنموذج شرقي ينخره الفقر والتخلف. كهنوت الملالي لا يختلف عن هرطقة كارل ماركس. في المثال الثاني، تنشر كوريا الشمالية على حدود جارتها الجنوبية ما تقول الأرقام إنه عشرين ألف قناص لا وظيفة لهم سوى قتل الهاربين المتسللين من جحيم الكهنة في بيونغ يانغ إلى جنة سيؤل، كوريا بنصفيها هي مثال الأنموذج المدني لهزيمة الكهنوت الأيديولوجي العقائدي. في المثال الأقل، ترفض الغالبية الساحقة في كشمير المسلمة أي فكرة تعود بها إلى باكستان، لأنها على الأقل تنعم بالديمقراطية الهندية.
الخلاصة أن المنازلات العقائدية لا تنتهي بانتصار طرف. التاريخ يبرهن على الدوام أن المشروع المدني هو الفائز في نهاية أي جولة.