جمال بنون

الأحداث في اليمن سارت بوتيرة متسارعة خلال الـ72 ساعة الماضية، فالتحالف بين حزب المؤتمر الشعبي وزعيم جماعة الحوثيين انفرط في اللحظات الأخيرة، وجاء لمصلحة الشعب اليمني، وإيقاف نزف الدم، الذي حول البلاد إلى صراعات داخلية، وأيضاً عودة اليمن إلى طريقه الصحيح بعد أن أمضى سنوات يرضخ للطموحات الإيرانية، التي تمكنت خلال هذه الفترة من تصدير العنف والثورة إلى اليمن، ليس هذا فحسب، بل إزعاج جيرانها، وتحديداً السعودية.

وبحسب السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر فإن الحوثيين أطلقوا أكثر من 90 صاروخاً على مختلف مناطق السعودية، ولعل أخطرها الصاروخ، الذي استهدف منطقة مكة المكرمة، والآخر الذي استهدف مطار الرياض، ومناطق أخرها معظمها مناطق سكنية. هذا العمل لا يمكن أن يقدم عليه الجيش اليمني ولا حتى شعبه، من الواضح أن من يحرك آلة الحرب في الساحة اليمنية هو الحرس الجمهوري الإيراني، لأن من مصلحته إطالة أمد الحرب واستنزاف مقدرات اليمن، وليس مهماً أن يبني اليمنيون وطنهم. ليس مهماً الآن معرفة سبب قطع العلاقة الحميمية بين الطرفين، إنما المهم الآن معرفة ما هي نتائج هذا الانفصال.

بداية يجب أن نعترف أن قوات التحالف، التي تقودها السعودية لمواجهة أي اعتداء على أراضيها وملاحقة الإرهاب، كان لها الدور الكبير في منح حزب المؤتمر الشعبي الثقة ليتحرك لأجل إنقاذ اليمن من حالة الاختطاف التي تعرض لها من الحوثيين، فأخذ البلاد إلى مصير مجهول، كما رحبت دول التحالف بدعوة علي صالح للحوار، بينما داهمت ميليشيا الحوثيين مقرات تابعة لحزب المؤتمر بعد كلمة علي صالح حينما هاجمهم في بث تلفزيوني.

هذه فرصة سانحة للعقلاء السياسيين في اليمن أن يستغلوا فرصة عودة أحد الأطراف المتنازعة إلى جادة الصواب وطرد الجماعات الحوثية المسلحة، وأن يتفرغوا لبناء وطنهم بعد أن دمرته الحرب والنهب والسرقات، وأصبح اليوم في ذيل قائمة الدول التي تنعدم فيها التنمية وسبل العيش الكريم.

اليمنيون الآن لن يجدوا فرصة سانحة أخرى لإنهاء الحرب، وعليهم دعم علي صالح ورفاقه الذين انقلبوا على الحوثيين، وآخر المعلومات التي تواترت تقول إن قوات المؤتمر الشعبي عززت وجودها في العاصمة اليمنية صنعاء، وخاصة في محيط المنشآت الحيوية والوزارات والمباني الحكومية، وأحكمت سيطرتها على المدخل الشمالي للعاصمة، واستعادت هيبة الدولة في مقرات وزارة الداخلية والدفاع ومعسكر النجدة والمطار الدولي.

عودة علي صالح وانفصاله عن دعم الحوثيين، وإن كان متأخراً، يجب أن ينظر إليه على أنه انتصار سياسي لليمن، وينقذ البلاد من الدمار، كما أنها فرصة لاستعادة علي صالح لموقعه السياسي في المستقبل، وربما يكون في نظر اليمنيين البطل الخارق، الذي ظهر وقت الشدة، وفرصته ليغفر عن خطيئته في السابق، ويقود اليمن إلى شاطئ الأمان.

اليمن من أعرق البلدان العربية، وأكثر قبائله تتمتع بالنخوة والغيرة على أوطانها وشعوبها، ومنذ قرون والمواطن اليمني يزرع ويأكل ويصنع ويعمل بنفسه، والتاجر اليمني يعرف كيف يحافظ على زبائنه، ويبيع حتى لو ليس لدى المشتري مالاً، يقرضك حتى لو لم يعرفك، رحال ويعشق الهجرة، يمتلك من القيم والمبادئ العربية الكثير. كانت اليمن أحد أهم الوجهات للسياح للتعرف على مبانيها التراثية القديمة والمزخرفة والأكلات الشعبية. الحرب والصراعات السياسية مزقت المواطن والأسرة اليمنية وحرمته من أبسط حقوقه.

غداً حينما يستيقظ اليمنيون لبناء وطنهم ومستقبلهم، سيجدون ألغاماً زرعها الإيرانيون من خلال أتباعهم الحوثيين تحت أقدامهم في أكثر من 16 موقعاً بحسب تقرير منظمة هيومن رايتس، وأكثر من 600 منشأة طبية مغلقة نتيجة الأضرار التي لحقتها، ونقص المعدات الأساسية والموظفين الطبيين، فضلاً عن أن 80 في المئة من مجموع السكان البالغ عددهم 20 مليوناً يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، والكثير منهم يحتاج إلى أطراف صناعية بعد فقدها في الحرب، وسيكتشفون أن مستودعات الغذاء سرقت من الحوثي وأتباعه، حتى الإمدادات الطبية للمدنيين نهبت، كما منعوا دخول المساعدات الإنسانية، وأسهموا في انهيار المنظومة الصحية. أمام اليمنيين مشوار طويل، إلا أنه ليس صعباً إذا أرادوا أن يعيشوا حياة كريمة، يستطيع إعادة فتح مدارسه، التي نهبتها الحرب ولصوص التنمية، وسيعود الأطفال، الذين وظفهم الحوثي للقتال، إذ جند أكثر من 800 طفل للقتال. أمر آخر من الضروري أن يتم حسم المعركة سريعاً، وهي حتمية الآن لمصلحة حزب المؤتمر الشعبي، ويجب تقديم الدعم والمؤازرة، وأن يتفرغ اليمنيون لانتشال بلادهم من الخطر الذي كان مسيطراً عليهم، إذ لا شيء يقف أمام الإصرار والتحدي،

ومتى ما أرادت القوى السياسية في اليمن بسط سيادتها ستجد دول الخليج بجوارها تساندها وتعيد بناء ما تهدم، فالسعودية بذلت جهوداً جبارة لأجل أن يعيش اليمن في رخاء وسعادة، إذ قدمت الكثير من الأموال والمساعدات، وأسهمت في بناء الكثير من المشاريع من عهد علي صالح وحتى الآن.

لو التفت اليمنيون إلى بداية الأزمة الداخلية حينما احتلتها إيران، سيجدون أنهم لم يربحوا شيئاً من هذا الحلف، فلا يضيعون فرصة دعم صالح للقضاء على الحوثيين.