أسامة يماني

النسيج اليمني ذو مكونات وطبيعة معقدة متشابكة متنافرة، وتتجاذب وتتقارب وتتباعد بشكل محسوب ومدروس، فليست بالقريبة وليست بالبعيدة، تؤثر فيها جغرافية المكان وتنوعه وتلونه، وهي معروفة ومفهومة لليمنيين الذين يتعاملون معها منذ نشأت أظافرهم، الذين عرفوا ما هي موازين القوى وقواعد اللعبة، لهذا صعب على غير اليمنيين معرفة دقائق المعادلة اليمنية. لهذا عانى الأتراك ودفعوا الثمن غالياً عندما أرادوا الدخول لليمن الشمالي، بهدف السيطرة وبسط الهيمنة والنفوذ العثماني على اليمن، وقد وعى الإنجليز لهذه الحقيقة فلم يجربوا حظهم وبسط نفوذهم على اليمن الشمالي، وخاصة المناطق المرتفعة وفضلوا محاربة اليمنيين في الساحل وفِي المدن الساحلية وضرب الحديدة بالطائرات، ولم يغر الاستعمار الإنجليزي أهمية اليمن الشمالي الجغرافية كما لم تدفعهم منازعة الإمام يحيى حميد الدين لهم في عدن للهجوم على اليمن والدخول في العمق اليمني، واكتفوا باستعمار الجنوب ذي الطبيعة الساحلية وحماية عدن من قوات الدولة المتوكلية والاكتفاء بالمواجهة الساحلية. وقد ارتكب الرئيس المصري جمال عبد الناصر خطأ دفع ثمنه باهظاً، وذلك بدخول قواته لليمن الشمالي والعمق اليمني.

وقد عملت إيران كقوة إقليمية غريبة عن المجتمع اليمني وعن المحيط العربي، وكذلك قوة حزبية معروفة إقليمياً بالإخوان المسلمين على إعادة تشكيل وتغيير المكون اليمني والنسيج الاجتماعي المترابط والمتآخي، وذلك بإدخال أفكار غريبة على المجتمع اليمني بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية بشكل خاص والعالم العربي بوجه عام، وقد استغلت التركيبة الاجتماعية وضعف ووهن وتنوع المكون اليمني ورقة النسيج الاجتماعي للدخول وتخريب المكون الاجتماعي واستغلال المتناقضات والتنافر لصالح مشروعها، وذلك في ظل انشغال الجوار بما يعرف بالربيع العربي، والذي هو في حقيقته الخريف العربي. وعملت هذه الأيدي الآثمة في اليمن بهدف إذكاء الفتنة وإشعال الحرب الأهلية وتدمير النسيج اليمني والانقضاض على الدولة اليمنية وإحلال الفوضى.

وقد جاءت عاصفة الحزم بقيادة السعودية لقوات التحالف لإنقاذ اليمن والدولة اليمنية، حتى لا تقع فريسة للإرهاب والحروب الأهلية وحكم الميليشيات والتقسيم، واليوم وبعد أن تم تأمين الحكومة اليمنية واستعادة معظم الأراضي اليمنية آن الأوان للنظر في المكون اليمني، والاستفادة منه لإعادة رسم خريطة القوى والتحالفات، ويمكن ذلك بعدة وسائل، منها التواصل مع قيادات كل المناطق ومشايخ القبائل لتحديد الحاجات الإنسانية الأساسية والتنموية في مناطقهم، شريطة استتباب الأمن وعودة الحكومة الشرعية والانفتاح على المكون اليمني بعيداً عن الشأن العسكري لإعادة اللحمة والترابط، الأمر الذي سوف يساهم في تحقيق الهدف الذي قامت من أجله الحرب، وهي استعادة الشرعية ورجوع الدولة إلى ممارسة أعمالها.

إن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية يمكن له القيام بدور مهم وجبار ليس فقط في مساعدة المتضررين من الأوضاع في اليمن بل يمكن أن يكون أداة مهمة تعمل على التواصل مع كافة القوى، ومحاولة تحييد الخصوم لصالح البناء والتعمير مربوطا بما يتم من أعمال إنسانية على أرض الواقع، ورفع المعاناة عن الشعب اليمني الشقيق. والله ولي التوفيق.