عبدالله الجعيثن

تراكمت أحداث تاريخية على المثقف العربي، من إرهاب ديني أحياناً، والإسلام منه براء، إلى بطش سياسي في أكثر العصور العربية، التلويح (بالعصا والجزرة) مما جعل أكثر الشعراء يسفحون مواهبهم على المديح، و كأن الموهبة دمٌ مسفوح، إلى الهجاء دون خصومة شخصية في كثير من الأحيان، وانعكس ذلك على الوجدان العربي مع مرّ العصور، ممّا همّش دور المثقف الأصيل، وجعل الثقافة الحقيقية كأسلاك الكهرباد العارية من يستطيع الإمساك بها؟…

وتلك التراكمات الكبرى التي أثقلت كاهل المثقف العربي، وحالت بينه وبين ما يشتهي، وواصلت الضغط على رأسه

وعموده الفقري، جعلته في أكثر عصورنا العربية، يُشبه ذلك الأحدب الذي كان جاراً لابن الرومي (المشهور بالتشاؤم والسخرية معاً) فكان إذا أراد الخروج من بيته نظر من ثقب الباب، فإن رأى جاره الأحدب (المسكين) تشاءم سائر اليوم، ولزِم البيت، وامتنع عن الخروج، حتى فاض به، فقال يصف ذلك الأحدب المسكين الذي لا ذنب له:

(قصرت أخادعه وغار قذالُهُ..

فكأنه متربِّصٌ أنْ يُصْفَعا

وكأنَّما صُفِعَتْ قفاه مرَّةً

وأَحَسَّ ثَانيةً لها فتَجَمَّعَا

وهذا الوصف الدقيق يكاد ينطبق على (المثقف العربي) في أكثر العصور، فهو مُحاط بغلو ديني أحياناً، وقمع سياسي أحياناً، وسياجٍ اجتماعي يُشبه السجن في كثير من الأحيان، سجن من تقاليد ما أنزل الله بها سلطان.

فإن كان أحدب ابن الرومي قد تلقّى صفعةً واحدة، فإنّ المثقف العربي -على طول تاريخه- تلقّى صفعات كثيرة،

وإنْ لم يتلقها مباشرة اتعض بمن تلقّاها، وبمن قُتل بسبب بيت شعر، حتى تجمَّع مُنحنياً، وتقوقع مُترقباً من الخوف، وتخلّى عن قدرته في التنوير والتعبير الحُرّ عن آرائه ومشاعره..

في العصر الحديث تحسَّن الوضع. ولكن تراكمات التاريخ جعلت (الحدبة) تكبر وتحفر مخاوفها في عقله الظاهر والباطن وفي الوجدان.