يوسف المحيميد

 في سبتمبر الماضي كنت محظوظًا بأن شهدتُ افتتاح معرض روائع آثار المملكة في العاصمة الكورية سيئول، وكانت دهشتي كبيرة أمام عظمة هذه الآثار التي احتضنتها أعماق الجزيرة العربية لقرون طويلة، دون أن نكتشفها لندرك معها أي كنوز ننعم بها في هذه البلاد، وكتبت آنذاك في هذه الزاوية متمنياً أن تُعرض هذه الآثار العظيمة هنا، في بلادنا، ليتعرف عليها المواطن أولاً، قبل عرضها وتنقلها في عواصم العالم، وخلال الأسبوع الماضي سعدتُ بدعوة كريمة لمشاهدة هذه الروائع في المتحف الوطني في المربع، في عاصمتنا الحبيبة الرياض.

ورغم سعادتي الكبيرة بذلك، أن تأملت وتفحصت مجدَّدًا بعض هذه الآثار المعروضة قبل ذلك في معرض تنقل بين بعض عواصم العالم، ورغم غبطتي بأنّ السعوديين والسعوديات يشاهدون ما شاهدته من قبل، وبدهشة لم تختلف عن دهشتي أول مرة قبل شهرين، إلاّ أنني تساءلت في داخلي، لماذا تُعرض هذه الآثار في بلادنا، كمعرض زائر فقط، تماماً كما المعارض التي يستقبلها المتحف الوطني مؤقتًا من مختلف دول العالم، فهل يُعقل أنّ آثار أرضنا الرائعة تُعرض هنا، وفي بلادنا، كمعرض زائر وهي ابنة هذه الأرض؟ ألا يمكن استثمار هذه الثروة في تأسيس سياحة متحفية هائلة؟ ألا يمكن تخصيص معرض كامل ودائم لروائع حضارات وممالك الجزيرة العربية في العاصمة الرياض، وجعله أحد وسائل الجذب السياحي في المملكة؟ خاصة أنّ السياحة تُعد إحدى المرتكزات الخمسة لاقتصادنا الوطني في رؤية المملكة 2030، بجانب البترول والبتروكيماويات والتعدين والمحتوى المحلي.

كل ما أتمناه من هيئة السياحة والتراث الوطني، أن تعمل على تأسيس عدد من المتاحف المتخصصة في الرياض، بجانب المتحف الوطني، تُركِّز على هذه الحضارات والممالك القديمة التي مرَّت على هذه الأرض، أو تخصص لها قاعات ضخمة في المتحف الوطني، فالعالم القديم مرّ من هنا، في جزيرة العرب، واكتشاف ناب الفيل يؤكد على عراقة هذه الأرض، وكذلك قرية الفاو عاصمة مملكة كندة فيها الكثير، وقرية الربذة في العصور الإسلامية المبكرة، والعديد من الاكتشافات المستمرة في العلا، وفي تيماء، وتبوك، ومعظم مناطق المملكة التي تنام على كنوز أثرية مذهلة، كلها تستحق البذل وتسخير الإمكانات والعمل الجاد الدؤوب، فالمتاحف في المملكة ستكون يومًا محورًا يعتمد عليه دخل السياحة الوطنية.

أدرك أنها أحلام كبيرة، وطموحات عالية، لكن ثقتنا بما تحمله الرؤية من طموحات، وما تبذله هيئة السياحة والتراث الوطني من جهود، يجعلنا نؤمن كثيرًا بتحقق أحلامنا الكبرى.