عبدالله بشارة

 قبل أسبوع، كلما سألني احد عن احتمالات القمة الخليجية، كان ردي بالاستحالة، بسبب الهوة الساحقة بين الطرفين في تبادلية اللوم والتهم، وبسبب الإجراءات التي اتخذتها ثلاث دول ضد قطر التي لم تقتنع بمسببات المقاطعة، واندفعت في دبلوماسية سريعة لفتح منافذ تغني عن الاحتياجات التي كانت توفرها دول المقاطعة، مع انحدار إعلامي وهزليات مسرحية تتقاذفها الأطراف، مما أدخل المجلس في وضع غير مألوف في الخصومة بين أبناء المنطقة وصلت إلى التحقير والطعن في حقائق التاريخ.
كنت خارج الكويت حين اتصل بي مكتب النائب الأول وزير الخارجية، يستفسر عن بعض الجوانب، مع تأكيد التوجه لعقد القمة في الأسبوع الأول من ديسمبر، فحملت حالي عائداً للمشاركة كعضو في الهيئة الاستشارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
هناك حقائق أفرزت زخم القناعة بعقد القمة:

 أولاً – الاستثنائية الفريدة لسمو الأمير مكنته من رصد الأمل مما زاد من تصميمه للتواصل مع الأطراف مع اتساع غير عادي في صبره على سلبية الردود وغياب عذوبة التآخي في صد كل المساعي، لربما تنقطع حبال الصبر لدى سمو الأمير فيتوقف، لكنه قاوم محصناً بالمسؤولية التاريخية كراع للقمة في الكويت، حيث وضعته المسؤولية في موقع يتعالى فيه عن الصغائر.

ثانياً- يتمتع خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالنظرة التاريخية الثاقبة، مقدراً دور القيادات في حماية ما بناه المؤسسون وصونه من مدافع الخلافات، والإصرار على الالتزام به والاعتزاز بالانتماء إليه، ومن ذلك الإحساس بالوفاء للانجاز.
ثالثاً – ندرك جميعاً حجم المعضلات المتمثلة في المآخذ على دبلوماسية قطر في انفرادها في مسار خارج دائرة الاتفاق الخليجي، وأعباء ذلك على دول المجلس، لاسيما في قضايا الإرهاب والإعلام والتحليق في فضاء آخر، لكننا نتوقف أمام الواجب في حماية المجلس، بيت الخليج الواقي، وعنوان وحدته، وحاضن مصيره، ومرجعيته في التواجد في المنابر الدولية، بصحبة الكبار المؤثرين والفقراء الطامحين، ومنبع شرعية قراراته، فلا يمكن التفريط في البناء الذي خرج من قرار المؤسسين في أبوظبي عام 1981.
رابعاً- الحفاظ على حياة المجلس وسط هذا الشد العصبي إنجاز في ذاته، يبقي الضوء لامعاً مهيِّئاً الإطار الشرعي للمساعي من أجل حلحلة الوضع المعقد، مع وعي كامل بصعوبة الوضع وتعقيدات المآخذ، فكل مشكلة لها حل إذا توافرت العزيمة وحضرت الرغبة، وطغى التعقل، وقدر الجميع المنافع التي ستعود على المنطقة عند عودة الحياة، بكل حيويتها، إلى روح المجلس، فالمجلس قدر الخليج المستقر ويكبر مع الزمن.
خامساً – أول شروط استئناف الدورة الدموية في شريان المجلس، هو الابتعاد عن الاستفزازات بالشعر والنثر، بالتصريح أو التلميح، وإغلاق كل النافورات الإعلامية المدمرة، والرقي في لغة المخاطبات، فالواقع يعلمنا أن خلاف اليوم سيزول ولا مفر من العودة الجماعية إلى العمل الخليجي.
خلال اللقاءات مع ممثلي الدول ومع رجال الإعلام في المنتديات الفكرية العالمية، يتحدثون، بقناعة، عن المزايا التي حققها مجلس التعاون مع شعور بضرورة عودة المجلس إلى الساحة العالمية، حيث وفر للمنطقة صوتاً واحداً قوياً وايجابياً.
سادساً – نعترف بأن الآمال أكبر من المنجزات، وإذا تأخر المجلس في اتخاذ خطوات استراتيجية جماعية مهمة، فإن السبب يعود إلى فلسفة التأني التي تراعيها الدول، فالمجلس يتكون من ستة أعضاء، كل طرف له فلسفته في معاني الدبلوماسية الموحدة بتفسيرات مرنة، وكان المجلس في مرحلته الأولى يراعي الإفراط في السيادة، رغبة في تسهيل حركة المسيرة، كما أن التنوع في المخزون التاريخي لهذه الدول أدى إلى بروز تباينات لاسيما عندما دخل المجلس في مناقشة التحول من التعاون إلى الاتحاد.
أهم المسارات
ومن أهم المسارات التي كنت أتمنى أن يحقق فيها المجلس شوطاً واسعاً هي التحالف الأمني، فأمن الدول قائم على ترابط استراتيجي بين الأعضاء والشركاء الاستراتيجيين، في إطار ثنائي وليس جماعيا، وإذا كان الأمن مضموناً بالشراكة، فلابد من بناء قوة خليجية مؤثرة تشكل الصف الأول في الدفاع عن الخليج، وتبقى التحالفات رادعاً عند الضرورة.
لم نصل إلى مرحلة العقيدة العسكرية الواحدة في جميع الأجهزة الأمنية.
المهم ألا نمل وألا نضجر، ولا نستسلم لمن يريد أن تكون قمة الكويت آخر القمم، فالصوت الواقعي الناضج هو إضافات لتقوية المجلس لمصلحة الجميع، مع الايمان بأن أحكام الواقعية المصيرية قادرة على تجاوز جميع المعضلات التي أربكت المجلس وعطلت مسيرته.
حمل سمو الأمير الأمانة بكل أثقالها، وسانده العالم كله مباركاً خطواته، ووضعها في قمة الكويت أمام قيادة الخليج، والجميع الآن أمام قاعة التاريخ في مداولات سنعرف حكم التاريخ عليها في ما بعد.