سلمان الدوسري

هي القمة الخليجية الأولى منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي التي يمثل السعودية فيها وزير خارجية، والإمارات وزير الدولة للشؤون الخارجية، والبحرين نائب رئيس مجلس الوزراء. هي المرة الأولى التي تخفض الدول الثلاث تمثيلها لهذا المستوى، وهي التي اعتادت أن تشارك بقياداتها، ولولا مكانة الكويت وأميرها لدى الرياض وأبوظبي والبحرين لتمت مقاطعة القمة، ليس لشيء ولكن لأن هناك عصا في الدولاب تمنع دورانه، ولن تسير السفينة الخليجية بوجود أحد أعضائه على عداء شديد مع ثلاثة أعضاء آخرين، وفي ظل قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول الثلاث وقطر فإن جلوس القادة مع الشيخ تميم من دون انتهاء الأزمة القطرية غير منطقي، بل ربما يعقد الأزمة أكثر، فالقمة الخليجية هذا العام التأمت لمكانة أمير الكويت ورغبته الشديدة في عدم تأجيل الاجتماع السنوي الدوري، باعتبارها ستكون المرة الأولى في تاريخ المجلس الذي تؤجل قمته الاعتيادية.

منذ الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، يوم قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول الثلاث وقطر، ومجلس التعاون مجمد من دون نشاط واحد؛ لا اجتماعات للمجلس الوزاري، لا لقاءات للوزراء الآخرين، ولا حتى على مستوى وكلاء الوزارات. علق مجلس التعاون كل أعماله أملاً في انتهاء أخطر أزمة في تاريخه، ثم كان الإصرار على عقد هذه القمة السنوية فقط للقول إن المجلس لا تزال تنبض فيه الحياة، وربما لا يضر أن تنعقد القمة، وإنْ كانت بأقل مستوى تمثيلي على الإطلاق، غير أنه وبدءاً من أمس سيعود المجلس لوضعه السابق بتعليق أعماله، طبعاً هذا الموت السريري للمجلس سيستمر كوضع مؤقت إلى أن تنتهي أزمة قطر، فليس معقولاً أن يسمح للدوحة باستغلال المجلس بينما هي تطعن ثلاث دول بشكل معلن ومفضوح، ولعل آخر الانتهاكات القطرية العدوانية لمجلس التعاون دعمها لميليشيا الحوثي حتى وهي تغدر وتقتل وتنكل بالرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد أن أعلن مواجهته للمشروع الإيراني، وما فعلته الدوحة في الكشف عن حقيقة مواقفها، وإنْ كانت ليست سراً، في تأييد الحوثيين، أقوى رسالة لقمة الكويت قبل انعقادها بأن النظام القطري مستمر في عدوانيته لجيرانه، بالطبع الدول الثلاث تستوعب جيداً هذه العداوة القطرية، بينما الدولة المستضيفة تعتقد أن ما يحدث هو خلاف سياسي يمكن احتواؤه بوساطة أو حياد.
لم يستطع مجلس التعاون احتواء أخطر أزمة في تاريخه لسبب بسيط جداً، فآلية عمل المجلس لا تسمح بذلك، والمادة التاسعة من النظام الأساسي للمجلس تنص على أن «قرارات المجلس الأعلى تصدر في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت»، وهو ما يعيق عمل المجلس في كثير من قراراته، فمن المستحيل إيجاد إجماع من كل أعضائه الستة على كل القضايا الرئيسية، وإذا لم تتغير هذه الآلية مستقبلاً، فلن يستطيع المجلس مواجهة التحديات التي تعصف به، وربما تجربة الاتحاد الأوروبي جديرة بالنقاش الموسع، حيث يتم تطبيق إجراء الأغلبية المزدوجة (أو الأغلبية المؤهلة) على معظم مجالات السياسة، فيما ينبغي الحصول على الإجماع، أي موافقة جميع الدول الأعضاء، للمجالات السياسية ذات الحساسية أو أهمية معينة في ضوء السيادة الوطنية للدول الأعضاء.
أصرت الكويت على عقد القمة رغبة من أميرها في الحفاظ على منظومة مجلس التعاون، ووافقت الدول الثلاث على المشاركة تقديراً له، بينما أرادت قطر استغلال القمة للخروج من عنق الزجاجة التي وضعت نفسها فيه. عقدت قمة مجلس التعاون سريعاً واختتمت، حقق الشيخ صباح هدفه، وفشلت الدولة المعزولة في تحقيق أي اختراق، فالقمة وإنْ عقدت في الكويت فإن الحل سيبقى في الرياض.