إدريس لكريني

شهدت عاصمة ساحل العاج، أبيدجان على امتداد يومي 29 و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أشغال الدورة الخامسة لقمة الاتحاد الإفريقي - الاتحاد الأوروبي، بمشاركة أكثر من 80 دولة من الجانبين، وبتمثيليات وازنة؛ لأجل بلورة تصورات جديدة تدعم تطوير الشراكة بين الطرفين، التي تمتد لحوالي عشر سنوات مضت.

يحيل حضور الملك محمد السادس في هذه القمة المهمة إلى مجموعة من الملاحظات، أولها أن المغرب عندما اختار طوعاً الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، كان واعياً بحجم التحديات التي يمكن أن تواجهه في هذا الصدد، بما في ذلك عضوية جبهة «البوليساريو» في الاتحاد. 

ومشاركة الملك باعتباره رئيس الدولة في هذه المناسبة هو تأكيد لسعي المغرب لتجاوز تبعات سياسة المقعد الشاغر، والمرافعة بشأن قضاياه الاستراتيجية في أبعادها الاقتصادية والمتصلة بقضية الوحدة الترابية من داخل هذا الإطار الإقليمي، الذي استغله الخصوم لسنوات في الترويج لمواقف أُحادية لا تخلو من مغالطات وافتراءات..

وثانيها، كونها تأتي تعبيراً عن جدّية المغرب في بناء علاقات متينة مبنية على تشابك المصالح المتبادلة مع البلدان الإفريقية، والرغبة في المساهمة في تعزيز مكانة القارة على المستوى الدولي، وترسيخ تعاون جنوب - شمال يدعم خدمة قضايا القارة في أبعادها وتجلياتها المختلفة.

وثالث هذه الملاحظات، تشير إلى أن هذه المشاركة هي تجسيد لتحوّلات مهمة تطال توجّهات السياسة الخارجية للمغرب، وبخاصة على مستوى تعزيز العلاقات جنوب- جنوب، وتوخي المبادرة والبراغماتية في هذا الصدد، والوعي أيضاً بأن العودة للاتحاد الإفريقي هي بداية للمرافعة بشأن عدد من القضايا الاستراتيجية للمغرب وإفريقيا. 

وجّه الملك رسالة مهمة إلى القمة أكد فيها أهمية التعاون الإفريقي- الأوروبي خدمة لمصالح القارتين، وعلى التزام المغرب التام بالانخراط في تمتين هذه العلاقات، انطلاقاً من إرادته وقناعته في هذا الخصوص، واستحضاراً لموقعه الاستراتيجي.. مع الدعوة إلى جعل القمّة منطلقاً لتدعيم وتعزيز العلاقة بين الجانبين، بصورة تمنحها دفعة تخدم الأمن والاستقرار والتقدم بالنسبة للطرفين، وبما يكفل بناء مستقبل أفضل.

كما دعا أيضاً إلى بلورة علاقات بنّاءة تعكس حجم التطورات والتحولات التي شهدتها القارة الإفريقية على مختلف الواجهات، والانتقال من السجالات والشعارات، إلى الفعل المنتج المبني على النّدية وتبادل المصالح، بشكل يعطى دفعة قوية لهذه العلاقات.. مشيراً إلى أن القارتين تجمعهما تحديات وفرصاً مشتركة، تفرض تطوير الشراكة الاقتصادية بينهما في إطار من الثقة، بصورة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار التحديات المختلفة التي تمر بها القارة، بعيداً عن منطق المساعدة والإحسان.

وأخذاً بعين الاعتبار للإشكالات الكبرى التي باتت تطرحها الهجرة بالنسبة للدول سواء بصفتها مصدراً للظاهرة أو دول العبور أو المستقبلة، دعا العاهل المغربي إلى ضرورة استحضار جوانبها الإنسانية والحضارية، بدل المبالغة في النظر إليها كعامل تهديد.. منتقداً في ذلك التمثّلات السلبية عن هذه الظاهرة، والمقاربات المتجاوزة المتّبعة في هذا الخصوص.

شكّل الخطاب مناسبة للمرافعة بشأن عدد من القضايا المغاربية - الإفريقية، من خلال الدعوة إلى توخّي تعاون بنّاء؛ لمواجهة المخاطر والإشكالات التي تعيش على إيقاعها الجارة ليبيا، ملفتاً إلى أهمية التكتّل والتنسيق؛ لمواجهة مختلف التحديات المشتركة والعابرة للحدود، مبرزاً البعد الاستراتيجي الذي كان بإمكان الاتحاد المغاربي أن يلعبه في هذا الخصوص لو كتب له التفعيل..

كما دعا إلى استثمار المقوّم البشري الإفريقي بسبل ناجعة تكفل تنمية القارة، وتحدّ من آفة هجرة العقول.. مبرزاً الجهود التي ما فتئ المغرب يبذلها على مستوى التعاطي مع قضايا الهجرة، عبر استحضار الظاهرة كواقع ضمن تشريعاته القانونية وسياساته العمومية، بما يسهم في إدماج المهاجرين، مبدياً رغبة المغرب وقناعته الراسخة في تقديم العون وتقاسم الخبرات والتجارب التي راكمها مع دول القارة على سبيل التعاطي الجدّي مع الظاهرة، ضمن خطّة إفريقية متكاملة، تتيح إسماع صوت الأفارقة في هذا الخصوص.

لم يفوّت الخطاب فرصة تصحيح مجموعة من المغالطات المتداولة بشأن الهجرة الإفريقية، من حيث التنبيه إلى أنها لا تمثل سوى 20 في المئة من الهجرة الدولية، التي تتم في غالبيتها داخل القارة السمراء، فيما يصرف الجزء المهم من عوائدها (85 في المئة) داخل دول الاستقبال، مع الإشارة إلى صعوبة واستحالة التمييز بين الأقطار المصدرة وبلدان العبور ودول الاستقبال؛ حيث باتت الهجرة تطرح إشكالات جمّة بالنسبة للجميع.

خلصت أشغال القمّة إلى مجموعة النتائج المهمة، فقد تعهّد المشاركون بتطوير التعاون والتنسيق بين الجانبين الأوروبي والإفريقي، على مستوى التعاطي مع المشكلات التي تطرحها الهجرة، وفيما يتعلق بملفات الأمن (مكافحة الإرهاب)، وتطوير المقاولات والاستثمار في قطاعي التعليم والصناعات الزراعية والمجال الرقمي والطّاقات المتجدّدة.. وتمت الدعوة لإحداث منطقة للتجارة الحرة بين الدول الإفريقية، وتمكين الشباب والنساء، وحلّ الأزمات في عدد من مناطق التوتّر كليبيا وجنوب السودان..
وتمّ الاتفاق أيضاً على بلورة خطّة كفيلة بإعادة المهاجرين في ليبيا إلى بلدانهم، وتجاوز الإشكالات التي باتت تطرحها الجريمة المنظمة المنتشرة في هذا البلد، وبخاصة فيما يتعلق منها بالتهريب والاتجار في البشر..

إن هذه المتغيرات تفرض على الجانب الأوروبي، بلورة تعاون بنّاء وندّي، يقوم على تبادل المصالح والربح المشترك، دون استعلاء، خصوصاً وأن الاستثمار في هذه القارة العذراء، ومساعدة بلدانها على دعم مسارات التنمية وتدبير مختلف الأزمات.. هو تحصين للأمن الأوروبي في أبعاده الاستراتيجية ودعم للسلم والأمن الدوليين أيضاًَ.