عادل السالمي

طهران تدعو الخليج إلى «تثمين فرصة» زيارة روحاني

بعد نحو ثلاثة أسابيع من تسلم الرئيس الإيراني حسن روحاني رسالة من أمير الكويت عادت الحركة للمياه الراكدة في العلاقات الخليجية الإيرانية، وأعلنت طهران أنه سيقوم اليوم بجولة سريعة يبدأها من عمان قبل أن تهبط طائرته في الكويت في إطار سعي الحكومة الإيرانية لترميم العلاقات مع دول مجلس التعاون، ودعا المساعد السياسي في مكتب روحاني حميد أبو طالبي «الدول الصديقة» في الخليج إلى استغلال الفرص، وذلك في ظل المخاوف المتزايدة من طهران من شهور صعبة مقبلة مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض.

وأعلن مكتب الرئيس الإيراني على لسان الناطق باسمه برويز إسماعيلي في وقت متأخر أول من أمس أن روحاني سيتوجه على رأس وفد رسمي رفيع يضم عددا من ممثلي القطاع الخاص، وتهدف الزيارة لبحث العلاقات الثنائية وإبرام اتفاقيات تجارية. قبل أن يوضح المساعد السياسي في مكتب الرئيسي الإيراني حميد أبو طالبي، أمس عبر خمس تغريدات نشرها في حسابه الرسمي على شبكة «تويتر» تطلعات روحاني في زيارة اليوم ومحاور مفاوضاته مع كبار المسؤولين في مسقط والكويت.

وقال أبو طالبي عبر حسابه في «تويتر» إن «مبادرة» روحاني بزيارة عمان والكويت جاءت تلبية لدعوة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وسلطان عمان قابوس بن سعيد، معتبرا الزيارة «مؤشرا على ضرورة الصداقة والأخوة الإسلامية والعودة للعلاقات الإقليمية الودية»، كما اعتبرها «إنذارا» على ضرورة «إنهاء الخلافات الدينية والصراعات الطائفية والعنف الإرهابي وقتل الأبرياء والمشردين والتوتر الإقليمي المتزايد في المنطقة».

في ثالث تغريدة قال: يمكن أن تكون زيارة روحاني «بداية» تؤكد ضرورة «وقف تدمير البلاد الإسلامية وتدمير اقتصاد المنطقة وضياع رأس المال والرفاهية في دول المنطقة». وكتب في الرابعة أن الزيارة «بشارة» على تفاهم كل الدول المحيطة بالخليج العربي في تأمين الأمن المشترك والقتال الموحد والإرهاب والعنف والتطرف. وطالب أبو طالبي دول المنطقة بـ«تثمين فرصة» زيارة روحاني، وفضل المسؤول الإيراني ختام رسائله الموجهة للجيران العرب باللغة العربية قائلا إن «الفرص تمر مر السحاب فاستغلوا فرص الخير».

ويزور روحاني مسقط، في حين لم تعرف بعد هوية السفير الإيراني منذ انتهاء مهمة السفير السابق علي أكبر سيبويه، إلا أن الحكومة الإيرانية أشادت في عدة مناسبات بدور مسقط في التوسط بين طهران وواشنطن حول الملف النووي، والذي توج بعد ثلاث سنوات في يوليو (تموز) 2015 بالتوصل إلى الاتفاق النووي.

وتنظر طهران إلى خطوة زيارة روحاني اليوم في الكويت أنها مقدمة لخطوات مقبلة قد تؤدي إلى الانفراج في الاجتماع مع جيرانها في الخليج لبحث الخلافات على طاولة المفاوضات.

وتقول إيران إنها تريد علاقات طبيعية ومتوازنة مع دول الخليج في وقت تعرضت لإدانات متزامنة من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بسبب التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

ويأتي توقيت الزيارة بعد مرور أسبوع من التلاسن بين الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترمب وإيران إثر تجربة صاروخ باليستي، وقالت مصادر أميركية إن البيت الأبيض يدرس الخطوات المقبلة التي يمكن أن تتبعها الإدارة من الاتفاق النووي بعدما وعد ترمب خلال حملته الانتخابية بإعادة النظر في الاتفاق، وتزامن ذلك مع مشروع أميركي يصنف الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية.

وخلال مقابلة مع القناة الرسمية قال نائب قائد الحرس الثوري حسين سلامي: «على الإدارة الأميركية أن تأخذ مصالحها الإقليمية بعين الاعتبار».

ورجحت أوساط إيرانية أن يكون اختيار توقيت الصواريخ مع بداية ترمب ردا من الحرس الثوري الساخط تجاه ضمانات قدمتها طهران للجانب الكويتي حول وعود إيرانية بالتعاون مع الدول العربية في العراق وسوريا من أجل تخفيف التوتر، ومن ضمن الوعود إعادة النظر في تعيين مستشار قائد فيلق «القدس» إيرج مسجدي في منصب السفير الإيراني لدى العراق. كما رجحت مصادر إعلامية إيرانية أن يكون المسؤول الكويتي ناقش قضية التوسط بين طهران والرياض، إلا أن المتحدث باسم الخارجية الإيراني رفض تأكيد أو نفي ذلك قبل أن يعود في آخر مؤتمر صحافي له الأسبوع الماضي وينفي وجود وساطة كويتية بين طهران والرياض.

وتعول طهران على علاقاتها مع عمان والكويت لتطبيع العلاقات مع دول مجلس التعاون ومنها السعودية والإمارات، رغم أنها أعلنت في وقت سابق عدم الحاجة للوساطة بينها وبين جيرانها لبحث الخلافات والعودة إلى العلاقات الطبيعية.

وخلال زيارة وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الصباح قال وزير الخارجية الإيراني إن دول المنطقة بحاجة إلى الحوار والتعاون من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وتسلم روحاني رسالة من أمير الكويت في نهاية يناير (كانون الثاني) ولم تنشر تفاصيل الرسالة بعد لكن خلال هذه الفترة تبادل الطرفان رسائل تعبر عن ترحيب البلدين. وأثار تحفظ الجانبين والتصريحات المتباينة بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والمتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي أسئلة حول الرسالة الكويتية إلى طهران. وفي اليوم نفسه قال قاسمي إن طهران منفتحة على علاقات مع السعودية شرط أن تتخذ الرياض خطوات من أجل ذلك.

وتتعامل الحكومة الإيرانية بحذر مع الملفات الساخنة على صعيد السياسة الخارجية خشية تدخل جهات داخلية متنفذة قبل حصولها إلى نتائج.

داخليا، يحظى تخفيف التوتر مع الجوار العربي خاصة مع دول الخليج العربي أهمية بالغة لروحاني، نظرا لتأكد مشاركته في الانتخابات الرئاسية المقبلة من أجل تولي رئاسة ثانية.

ورغم وعوده بخروج إيران من العزلة الإقليمية والدولية لكن روحاني أخفق خلال السنوات الأربع الماضية من تخفيف التوتر، واتخذت علاقات إيران بدول مجلس التعاون مسار التراجع في ظل الرفض الإيراني للتجاوب مع مطالب الدول العربية بوقف تدخلاته في شؤونها الداخلية.

وكانت الصحف الإيرانية المقربة من روحاني أعربت عن تفاؤلها تجاه تصدع السور الذي ارتفع بمقاييس غير مسبوقة في جيرانها العرب منذ تفجر الربيع العربي، والعودة إلى مشاريع تصدير الثورة التي تمثلت بإطلاق مشروع «الصحوة الإسلامية» برعاية مستشار خامنئي في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي.

خلال الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الإيراني دعمه لمقترح الزعيم الإصلاحي محمد خاتمي. وفق ما ذكرته وسائل إعلام إصلاحية فإن المبادرة جاءت نتيجة إحساس في البيت الإصلاحي بضرورة التوصل إلى انسجام داخلي بعودة شبح الحرب إلى إيران مع وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، والتحرك البريطاني في تعزيز العلاقات مع دول الخليج.

من جانب آخر، فإن الرئيس الإيراني لا يرغب في أن يكون صاحب أسوأ سجل في العلاقات مع الجيران في مجلس التعاون الخليجي، ويتطلع روحاني لإضافة ورقة أخرى إلى ملف ترشحه في ظل مخاوف الشارع الإيراني من مواجهة إيرانية أميركية تلوح في الأفق.

ويأمل روحاني في تحسين العلاقات مع الجيران وتعزيز فرص حكومته الاقتصادية قبل توجيه أول خطاب انتخابي له خلال حملة الدفاع عن كرسي الرئاسة لأربع سنوات مقبلة. وترى حكومة روحاني أن طريقها لتشجيع الاستثمار الأجنبي في الدخول إلى الاقتصاد الإيراني يمر عبر التهدئة مع دول الخليج.