محمد عبد المحسن المقاطع 

مرت علينا ذكرى يومي استقلال وتحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، الذي عاث في الكويت فسادا وقتلا وأسرا، ودمّر وأتلف وألحق بالبلاد والعباد أضراراً لا حصر لها، وقد سخّر الله سبحانه للكويت وأهلها بما جبلت عليه من أعمال الخير والمشاريع الخيرية والإنسانية التي وصلت إلى أصقاع الأرض، فكان تحالفا دوليا فريدا، نصرة للكويت وأهلها، فدحر الغزاة وردهم خائبين وأنعم الله علينا بنعمة التحرير منذ ما يقارب ربع قرن في 26 فبراير 1991، والسؤال: هل تبدلت أحوالنا للأفضل منذ ذلك التاريخ؟ وهل تحررت عقولنا لتصحيح مسار بلدنا ونتجنب أسباب وأحوال وظروف الغزو؟ أقول بكل أسف ذلك لم يحدث؛ إذ إن أحوال البلد في انحدار متزايد وبعض عقولنا أسيرة مريضة «تعشعش» فيها الأفكار والممارسات الفاسدة.


فأغلب السياسات الحكومية ووزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء تسير بفكر استهلاك وإهدار موارد البلد، وتغييب للرؤية الحكومية للمستقبل، وهي النمط السائد، ومنهج معظم الوزراء التصرف بوزارته بعيدا عن الهيمنة المطلوبة لمجلس الوزراء، التي أصبحت ثقافة مستمرة، فوزير يعين وكلاء، وآخر يحيل غيرهم إلى التقاعد باجتهادات، وربما أهواء شخصية. وتنفيع المتنفذين من المشاريع مستمر، والتعيين بالوظائف والترقي فيها، مثل التعليم والعلاج بالخارج والبعثات كلها تتم بمحسوبيات وواسطات، بلا معايير وبصورة عشوائية، خلافاً للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، ما زاد مشكلات البلد وأحبط المواطنين، وقبل ذلك وبعده بعض أعضاء مجلس أمة يعيشون على الانتهازية السياسية وخرق القوانين والخروج على الأنظمة، لأن ثقافتهم هي التكسّب والتشفّي والشخصانية، بعيدا عن المصلحة العامة، ومعروفون بأشخاصهم، ما ضاعف مشكلات البلد؛ إذ تحرر البلد ولم يتحرر كثير من العقليات.. واستمر النهب وإضعاف البلد، فبرز فاسد الذمة ودافع المال وقناص الأموال العامة وتلاشت القيم، وتزاحمت التيارات والمجاميع السياسية والطائفية والقبلية على فتات رفات الوطن، يطعمهم منها من لم تعد تهمه مصلحة البلد، وهو يتربع على كراسي الحكومة والبرلمان، نعم.. تحرر البلد من الغزو، ولكن لم يتحرر كثير من العقول التي ظلت أسيرة مصلحتها فقط.