هادي اليامي

وصف المملكة بأنها مفتاح الحل للأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وهو وصف يحمل بين جوانبه إشارات كثيرة أوضحها قراءة تلك المكانة السياسية الرفيعة

لا حديث للعالم هذه الأيام إلا عن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية، خلال الأيام القادمة، والقمم الثلاث التي ستجمعه مع قادة الدول الخليجية والعربية والإسلامية، والاستراتيجية الجديدة التي سيتم تبنيها لمواجهة التنظيمات الإرهابية، واستئصال الخطر الذي يمثله تنظيما القاعدة وداعش، على استقرار العالم. وهي استراتيجية عملية تقوم أساسا على إيجاد حل لقضية فلسطين، تلك القضية المحورية التي طالما ظلت السبب الرئيس في استمرار حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة العربية والعالم الإسلامي ككل، انطلاقا من حساسيتها الشديدة للمسلمين، خصوصا في ظل استمرار محاولات تهويد المسجد الأقصى المبارك، وإنشاء ما يسمى بـ«هيكل سليمان» مكانه، فيما يمثل التصدي للخطر الإيراني الجناح الثاني لتلك الاستراتيجية، لاسيما بعد تزايد حالات الانهيار في بعض دول المنطقة، بسبب الدور السالب الذي يمثله النفوذ والمد الإيراني الحالم بالهيمنة على المنطقة ومواردها.
لم تخل صحيفة عالمية، أو قناة فضائية، خلال الأسبوعين الماضيين، من التطرق إلى هذا اللقاء، والحديث عن رمزية اختيار المملكة كمحطة أولى لجولات الرئيس ترمب الخارجية، وما يحمله ذلك من معان تؤكد الأهمية الكبيرة لمنطقة الشرق الأوسط، وتؤكد الريادة التي تمتاز بها السعودية كمركز ثقل للعالمين العربي والإسلامي، وريادتها، ومكانتها الروحية السامية التي تتبوأها لدى مليار ونصف المليار مسلم، يتوزعون في كافة أنحاء العالم وقاراته المختلفة، بسبب احتضانها للحرمين الشريفين، فهي مهد رسالة الإسلام، التي تهفو إليها قلوب المسلمين.
لم تكتف وسائل الإعلام العالمية بالحديث فقط عن المكانة الروحية للمملكة، بل أفردت مساحات واسعة، وخصصت أوقاتا مطولة للحديث عن السياسة المعتدلة التي تتبعها الرياض، واتباعها مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين، واحترام سيادة الدول، إضافة إلى إسهاماتها المتعددة في دعم جهود التنمية على مستوى العالم، ووقوفها إلى جانب إخوانها المسلمين، انطلاقا من مكانتها كدولة رائدة وقائدة، تترفع عن الصغائر، وتمد يدها للمحتاج، وتقف إلى جانب الضعيف.
لم يأت اختيار المملكة لمجرد مكانتها الإسلامية، وإن كان لذلك دور كبير بدون شك، إلا أن السعودية تستطيع – بسبب علاقاتها المتميزة مع كافة الدول الإقليمية – حشد كافة الزعماء والرؤساء العرب والمسلمين، كما أنها من أهم وأقدم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، في منطقة الشرق الأوسط، وهي كذلك الدولة الأكبر في منظومة الدول المصدرة للنفط في العالم، والأكثر ازدهارا على الصعيد الإقليمي، وهو ما أدرجها ضمن مجموعة العشرين. كل هذه المزايا جعلت الرئيس الأميركي لا يتردد في وصف المملكة بأنها «مفتاح الحل» للأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وهو وصف يحمل بين جوانبه إشارات كثيرة أوضحها قراءة تلك المكانة السياسية الرفيعة كونها نقطة التقاء للعرب والمسلمين، وقاسما مشتركا يوحدهم، ومصدر ثقة يبدد هواجسهم ومخاوفهم.
هذا التركيز الإعلامي، إضافة إلى فوائده العديدة في المجال السياسي والرسمي، يقدم للمملكة كما يجب أن تكون كرائدة للسلام والحوار والتعايش بين الحضارات على امتداد المعمورة استنادا لسماحة ورسالة العقيدة الإسلامية، كما تعكس الزيارة مناخ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الموجود فيها.
لقد أفصح الرئيس الأميركي – بكلمات لا لبس فيها - عن توجه إدارته لتشكيل تحالف عريض، يتصدى لممارسات إيران السالبة، وتدخلها في شؤون دول المنطقة والعالم، وتأجيجها للمشكلات الطائفية، ووقوفها وراء أزمات سورية واليمن والعراق، ومحاولات التدخل في شؤون دول الخليج، وإصرارها على تشكيل وتسليح الميليشيات الخارجة على القانون، مثل حزب الله في لبنان وسورية، والحوثيين في اليمن، وميليشيات النجباء وبدر وغيرها في العراق. إضافة إلى محاولاتها المحمومة الحصول على سلاح نووي، وهي المحاولات التي تصدى لها العالم كله حتى الآن ولو من خلال اتفاق لم يجد إجماعا حوله، إدراكا من الرئيس الأميركي لما يمكن أن تمثله هذه الأدوار من تهديد للسلم والأمن العالميين.
للأسف لم يدرك ساسة إيران أن السياسة وقيادة الدول في عصرنا الحالي لم تعد تمارس بالعنتريات، ومحاولات أخذ حقوق الآخرين بالقوة، فالوضع السياسي الراهن والنظام العالمي الجديد يفرضان التقيد بالقانون الدولي، والعالم أصبح قرية صغيرة، تحكمه المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إضافة إلى منظومة من أدوات القوة الناعمة، تتمثل في العقوبات الاقتصادية، التي تمتلك من المفعول ما يفوق في بعض الأحيان أساليب القوة العسكرية. فأصبحت السياسة علما يدرس في الجامعات، وفنا يطبقه من بيدهم القرار على أرض الواقع، وممارسة لن يستطيع عليها سوى من يتمتع بالفطنة، والذكاء، والقدرة على التعامل مع المتغيرات، وهي مزايا وهبها الله لقادة هذه البلاد، فطوعوها وحصروها في إطار الثوابت والمبادئ، وظل هذا هو النهج الثابت الذي سارت عليه المملكة منذ عهد الملك المؤسس، واستمر عليها أبناؤه الملوك البررة من بعده.
المملكة تحصد في الوقت الحالي ثمار ما زرعته من سياسات حكيمة، وما اتبعته من نهج قويم، وهي نتيجة حتمية لمن يبذل ويخلص، وفي ذات الوقت تواجه إيران وأدواتها عواقب تدخلاتها في شؤون الآخرين، ومساعيها لنشر الفرقة بين الدول، واستغلال الأقليات ضد حكوماتهم، والتمسك بأوهام تصدير الثورة، وإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية. هنا يبرز الفرق بين دولة تلتزم بالقانون، وتسهم إيجابا في محيطها الإقليمي والدولي، وأخرى لا ترى سبيلا لتحقيق أهدافها الخاصة سوى زعزعة الأمن، وافتعال المشكلات، وغرس بذور الفرقة والشتات، فلا تحصد في النهاية سوى اللعنات.