ليلي حافظ

قررت فرنسا طىً صفحة وبدء مرحلة جديدة من تاريخها. فما نحن بصدده اليوم هو نهاية عصر وبداية عصر آخر، لا نعرف بعد مدى قدرته على النجاح. ولكننا نعرف أنه الإجابة على كل تساؤلات الشباب وتطلعاته وطموحاته.

فى عام 1968 كان شعار الشباب فى ثورتهم هو: «عشر سنوات .. هذا يكفى» عندما ثاروا على الرئيس شارل ديجول. كان الشباب يعبر عن حاضره ومستقبله الذى لم تعد تواكبه الشرعية السياسية الحاضرة. وكما قال أحد الفلاسفة الفرنسيين فى ذلك الوقت، إن الجيل الجديد حقق نضجا سريعا لم يواكبه نضج فى نظام التعليم الذى لم يتغير منذ عصر نابليون.

واليوم تبدأ فرنسا عصرا جديدا مع جيل لم يعد يجد الإجابات على تساؤلاته فى النظام السياسى القائم. لذلك اختار رئيسا له خارج المنظومة السياسية المعتادة، مثلما فعل من قبله الشعب الأمريكى عندما أختار دونالد ترامب. اختار الشعب الفرنسى رئيسا خارج الأحزاب التقليدية التى حكمت الجمهورية الخامسة منذ عام 1958؛ واختار رئيسا صغير السن، يقترب من عمر الجيل الجديد، 38 عاما؛ وحتى عائلته ليست عائلة تقليدية، اذ أن زوجته تكبره بـ 24 عاما.

واختار الناخب الفرنسى رئيسا لا يحمل الشرعية التاريخية، تلك التى كان ينتمى اليها شارل ديجول زعيم النصر فى الحرب العالمية الثانية، أو فرنسوا ميتران أحد زعماء المقاومة فى أثناء الحرب العالمية. 

وحتى جاك شيراك الجيل الأصغر الذى أكد أنه يسير على خطى ديجول. فعلى عكس جميع الرؤساء السابقين فى فرنسا، لم يكن ماكرون معروفا على الساحة السياسية قبل ثلاث سنوات؛ وهو اليوم يفوز بنسبة تتجاوز 67%، وسوف يحدد السياسة الخارجية الفرنسية وسياساتها العسكرية وتحالفاتها مع الدول الكبرى الأخرى. بالإضافة الى ذلك اختار ماكرون رئيسا لحكومته شخصية غير معروفة أيضا على الساحة السياسية، إدوار فيليب، عمدة مدينة لو آفر عن حزب «الجمهوريين». ليؤكد بذلك طريقه المخالف لكل التقاليد السياسية الفرنسية حتى اليوم.

ومن مظاهر هذا التغيير توجه الرئيس الجديد ورئيس حكومته على تشكيل وزارة متنوعة، تضم عناصر من اليمين ومن اليسار ومن الوسط. فإن كان ماكرون نفسه عضوا فى الحزب الاشتراكى، عمل فى وزارة الاقتصاد فى حكومة اشتراكية، تخلى عن المنصب وانشق عن الحزب لكى يشكل «حركة» سياسية تقف عند يسار الوسط، اختار رئيس حكومة من مؤيدين والمقربين من ألان جوبيه اليمينى، الديجولى، بل ويقال عنه «ابنه الروحى»؛ معا قررا كل من ماكرون وفيليب تشكيل حكومة من مختلف الأطياف السياسية، أملا فى مساندة أغلبية مريحة فى البرلمان فى الانتخابات التشريعية المرتقبة وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة. وذلك أيضا أمر غير مسبوق فى الحياة السياسية الفرنسية، حيث كانت الحكومة دائما تتبع توجه الرئيس، باستثناء عندما اضطر الرئيس الى الاتجاه الى الحزب المعارض فى فترات أطلق عليها تعبير “التعايش” عندما اختار الناخبون أغلبية مغايرة للبرلمان. وذلك حدث مرتين فى تاريخ الجمهورية الخامسة، المرة الأولى مع الرئيس فرانسوا ميتران الاشتراكى وكان رئيس حكومته جاك شيراك اليمينى (1986-1988) ؛ ومرة أخرى مع الرئيس شيراك اليمينى الذى اضطر الى اختيار ليونيل جوسبان الاشتراكى لتشكيل الحكومة (1997 - 2002).

لهذه التغييرات مؤيدوها ومعارضوها. فإن رأى البعض فيها شكلا من أشكال المواكبة مع العصر الجديد، يرى البعض الآخر انها تفتقد الى التجانس، والحكومة فى حاجة الى تجانس بين وزاراتها. فهل سينجح التوجه الجديد؟ وهل سيحقق الانفتاح؟ أم سيؤدى الى التفكك؟ فقط الوقت سوف يجيب على تلك التساؤلات.