فهد الأحمري

حراك كبير تشهده البلاد على كافة الأصعدة، السياسية والاقتصادية والفكرية والعلمية والثقافية وحتى الترفيهية. وسواء كنت متفقا أو مختلفا مع كليات أو جزئيات هذا التوجه، إلا أنك لا تستطيع إغفال ما تزج به الأخبار والأحداث واللقاءات الرسمية وغير الرسمية التي تضج بها أرجاء الوطن مؤخرا.
أنظمة وقرارات مستحدثة وجريئة تنبئ بتغيير جسيم في المعادلات داخليا وخارجيا‫.‬ ولئن كنا انتظرنا هذه التحولات كثيرا وجفت أقلام الكتاب والمطالبين بالإصلاح إلا أن الوصول متأخرا خير من عدمه.
سنتجاوز الجوانب العديدة من معالم الصحوة الجديدة في المجالات الآنفة الذكر ونتجه لجانب الصحوة الفكرية الجديدة.
وطن يفخر بالأصالة ويمضي نحو المعاصرة والتجديد، لن تعيقه تصحيحات هنا وهناك تُبقي الثوابت وتحصر الحراك في دائرة المختلف الذي فيه سعة ورحمة للعباد والبلاد.
الصحوة الدينية الجديدة ستعيد المجتمع شيئا فشيئا إلى سابق عهده من الوسطية والاعتدال قبل حلول التشدد الذي ساقته لنا أحداث 1979. 
الغزو السوفييتي لأفغانستان، والثورة الإيرانية، والحركة الجهيمانية في احتلال الحرم المكي ‪ ثلاثة أحداث مفصلية حدثت في نفس العام لتعصف بكوكب الأرض وتخلق أجواء متوترة تولّد عنها تزمت صحوي دخيل على مجتمع محلي متدين بالفطرة السليمة، ومجتمع دولي مستقر ومتعايش ينعم بحضارة رائدة. وبالنظر لهذه الأحداث الثلاثة نجد أن السياسة هي العامل المشترك لها، مما يدل على أن الصحوة الدينية، كعمل مضاد لتلك الأحداث، ما هي إلا حركة سياسية تتستر بعباءة الدين المطهر. 
تجلت مقاصد هذا التوجه الصحوي السياسي عند ظهور ما يسمى بالربيع العربي الذي كشف لنا السباق الإخواني والداعشي نحو الحكم في بعض البلدان العربية، وانكشف اتباع هذه الحركات الإرهابية في الخليج العربي عموما والسعودية خصوصا، حتى إن كبار رموزهم تبنوا رمز «رابعة» الشهير وقاموا بإلصاقها في حساباتهم الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي قبل أن يحذفوها.
ثلاثة عقود ويزيد، تم فيها غسل أدمغة الناشئة وتسميم عقولهم، بحيث نشأ جيل جديد لا يعرف سوى التوجس وسوء الظن والعنف والكراهية ومبدأ البغض في الله الذي لا يثبت كعقيدة دينية. 
بدأ التوجه الرسمي نحو تصحيح الفكر المتشدد وخير بداية كانت في تغيير بيئة ومحيط الشباب عبر استحداث نظام الابتعاث الخارجي للطلاب والطالبات رغم تزامنه مع إنشاء جامعات محلية جديدة. 
هذا التوجه أظهر أن أحد الأهداف الرئيسية من البرنامج هو تمكين الشباب من الانفتاح على العالم الآخر والتعايش مع التعددية الفكرية والثقافية للخروج من الانغلاق الذي فرضه التشدد الحديث الطارئ على المجتمع.
لقد صوّر الخطاب التقليدي والصحوي للمجتمع أنه شعب الله المختار، وأن الآخر فيهم من السوء والانحلال والمجون ما يجعلهم يسيرون في الشوارع عراة! 
خرج المبتعثون بمئات الألوف ولم يجدوا تلك التصورات السلبية عدا مواقف هنا وهناك لا يخلو منها أي مجتمع بشري. عاد المبتعثون لأوطانهم بنور العلم وبريق الفكر وجمال السلوك.
ومن مجالات التصحيح، تم تنظيم عمل الشرطة الدينية واستحداث المشاريع الترفيهية والفنية، وفتح أبواب العمل للفتيات، والشروع في تصحيح حقوق النساء المدنية.
رغم تباشير الصحوة السعودية الجديدة التي تخطو لها البلاد رسميا ومجتمعيا إلا أنها قد تحتاج إلى مزيد وقت حتى تتمكن من اجتثاث «العدوان الفكري» على مجتمع تغمر معدنه الطيبة والإنسانية والمرونة حتى مع المختلف الأجنبي دينيا فضلا عن المختلف المحلي مذهبيا قبل حلول الاختطاف الفكري.
والآن نرى التوجه للعودة لتنفس الوسطية على المستويات، الرسمية والمدنية والشخصية، بعد أن تلوث بعض أفراد المجتمع بلوثة غلو دخيل هيمن عليها وشكّل وعيها، اكتشفت لاحقا، وبالتجربة، أن الغلو يقود للعنف والهلاك مصداقا لقول المعصوم عليه الصلاة والسلام (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو).
الفكر الوسطي المعتدل عانى كثيرا وظل وحيدا يدافع عن نفسه وعن قيم الوسطية، مواجها الحملات المسعورة التي كانت تأتيه من الغلاة إلى أن ثبت انتصاره وأثبت أنه المحق مصداقا لقول الحق {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}.