أحمد عبد التواب

أليس غريبا أن يعلن رجال الأزهر الشريف رأيا فقهيا فى قضية ما ويدعمونه بالشروح والتفاسير والحالات التاريخية، ويؤكدونه فى مناسبات شتَّي، ويُتاح لهم أوسع رواج ممكن فى الصحف وقنوات التليفزيون المملوكة للدولة، ثم، وبعد كل هذا، إذا بتأثيرهم فى الحدود الدنيا، ولا يصمد طرحهم أمام هجوم آخرين، من الأزهر ومن خارجه، ممن لايتوافر لهم الدعم الرسمي، ويكون لهؤلاء الأخيرين التأثير الغالب على الجماهير العريضة؟ موضوع نقاب المرأة مجرد حالة واحدة من حالات كثيرة، حيث أعلن الأزهر موقفه منه بأنه عادة وليس عبادة، ولكن الملاحظ أن الأخذ بالنقاب يزداد تلبية لمن يرون وجوب فرضه على النساء حتى فى مرحلة الطفولة! 

أيا ما كان موقف الجماهير، ما إذا كان نفورا من الأزهر أم مجرد ابتعاد، وما إذا كان تغيرا ثابتا أم عارضا قابلا للعودة إلى سابق عهده، فهو فى كل الأحوال ظاهرة غير مسبوقة! لأن خصومات الأزهر فى السابق كانت تكاد تنحصر فى صفوف نخب المفكرين والمثقفين والأدباء والفنانين، بل وكانت قوة الأزهر الكبرى تعتمد على اصطفاف الجماهير حوله واستلهامهم منه ما عليهم ان يفعلوه أو يتجنبوه. أما وقد حوّلت الجماهير قِبلتها إلى ناحية أخري، فهذا جديد جلل ينبغى أن يوليه الأزهر اهتماماً خاصاً لمعرفة أسبابه ووضع اليد على مواطن الخلل والعمل على علاجها. 

لاحِظْ أن قوة الأزهر كانت فى زمن انفتح فيه دارسوه على المذاهب والأفكار الأخري، وكانوا يشبّون على التحصن بالمعرفة، وكانت لدى كثير من قياداته مهارات الإقناع بالحوار والمناظرات. أما الأزمة الحالية فقد ترافقت مع الانغلاق على فكر واحد، وهو ما أدَّى إلى ما كان ينبغى أن يؤدى إليه، بإنكار الآخرين والخوف منهم! وصار بعض رجال الأزهر الذين يتصدرون الواجهة نموذجا للانغلاق الذى يتجلَّى فى العصبية والصراخ واستسهال التكفير، ولم يعد هناك ما يختلفون به مع الدعاة الجدد، إلا أن هؤلاء مدعومون بأموال طائلة تسخو بها دول ثرية، مما يجعل مهمتهم فى تدمير التقاليد المصرية العتيدة أكثر سهولة!