&أتى تلويح وزير الخارجية جبران باسيل بالذهاب إلى حكومة أكثرية دليلاً على أنه تسليم بدخول مسار تشكيل الحكومة مرحلة الجمود الحذر، وهو ما رأت فيه مختلف الأطراف كلاماً غير قابل للتطبيق. وكشفت مصادر مطلعة على موقف الحريري لـ«الشرق الأوسط» أن الأخير يدرس جدياً خطوة العودة إلى السراي الحكومي للقيام بمهامه كرئيس حكومة تصريف أعمال، بعدما كان قد انتقل إلى منزله المعروف ببيت الوسط عند انتهاء ولاية الحكومة السابقة وبداية ولاية البرلمان الجديد.


وإذا كان خيار الحريري المرتقب يعكس تشاؤماً حيال إمكانية إحداث خرق على خط التأليف في وقت قريب من جهة، والتأكيد على صلاحياته من جهة ثانية، فإن رسالة باسيل كانت واضحة، بأنها موجهة إلى من هم على خلاف معه حيال توزيع الحصص الوزارية، وتحديداً «حزب القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، على خلفية ما بات يعرف بـ«العقدتين المسيحية والدرزية». فالمعلومات المتداولة تفيد بأن باسيل يرفض منح الأول أكثر من 3 وزارات، ويرفض حصر التمثيل الحكومي الدرزي بـ«اللقاء الديمقراطي»، غير أن الأفرقاء المعنيين يجمعون على أن باسيل غير قادر على الذهاب بهذا الخيار، لأسباب عدّة، أهمها أن تشكيل الحكومة ليس من مهمته ولا من صلاحياته، وأن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لطالما أكد على أنه يعمل لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما عادت وأكدته مصادر مطلعة على موقفه لـ«الشرق الأوسط». وفي الإطار نفسه، نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر سياسية مطلعة قولها إن «الحريري لن يرضخ للضغوط، وسيواصل مساعيه للتأليف ضمن 3 ثوابت: لا معيار إلا الدستور، لا أثلاث معطلة، ولا حكومة أكثرية بل وحدة وطنية».

واجتمعت مصادر «الاشتراكي» و«القوات» على وضع كلام باسيل في خانة «غير القابل للتطبيق»، ولا يعدو كونه محاولة لرفع السقف، وتعدي على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، فيما أبدى وزير التربية النائب في «اللقاء الديمقراطي» مروان حمادة، في حديث إذاعي «تشاؤماً حيال ولادة قريبة للحكومة».

وقالت مصادر «الاشتراكي» لـ«الشرق الأوسط»: «كلام وزير الخارجية لا مكان له في النقاش ولا في الدستور، أمس دعوا إلى وحدة المعايير وانقلبوا عليها، واليوم مرة يقولون تشكيل الحكومة من مهمة الرئيس المكلف، ثم يأتون ليهددوا بحكومة أكثرية»، وتضيف: «يتصرفون وكأنهم في موقع القرار، في وقت نحن فيه أمام دستور واضح حيال صلاحية كل من رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية في تأليف الحكومة».

من جهتها، تسأل مصادر «القوات»: «عندما يقول باسيل لا تدفعونا لتشكيل حكومة أكثرية، هل هو قادر على تطبيق هذا الأمر؟»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح أن كلام باسيل يهدف إلى محاولة استبعاد (القوات) و(الاشتراكي)، لكنه في الواقع ليس لديه أي خيار إلا الالتزام بأي قرار يتخذه الحريري، الذي لطالما أكد أنه مع تشكيل حكومة وطنية». وتعتبر المصادر أنه لا مجال للذهاب بحكومة أكثرية، انطلاقاً من أن الانتخابات النيابية لم تجر على قاعدة أكثرية وأقلية، أو موالاة ومعارضة للعهد. ومن هنا، تؤكد أن تلويح وزير الخارجية ليس إلا من باب رفع السقف، وتحدٍ وتعدٍ على صلاحيات رئيس الحكومة.

وفي تعليق على التصعيد الكلامي من جانب باسيل، قالت أوساط نيابية في «التيار الوطني الحر» لـ«المركزية»: «نحن نريد ونصر على أن تكون الحكومة العتيدة حكومة وحدة وطنية، يتمثل فيها الجميع، تماماً كما الرئيس الحريري»، وسألت: «لكن إلى أي مدى نستطيع الصبر والانتظار؟ خصوصاً أن الأمور بدأت تأخذ وقتاً غير مقبول مطبوع بالمماطلة. لذلك، لا نستطيع الاستمرار في السير بمطالب غير منطقية».

وبعد ساعات على تلويح باسيل بحكومة أكثرية، دعا أمس كل من «حزب الله» و«التيار»، على لسان وزير الصناعة حسين الحاج حسن والنائب إلياس بو صعب، الحريري لتوحيد معايير التأليف، وهو ما ردّت عليه مصادر «الاشتراكي» بالقول: «لطالما كنا دعونا إلى توحيد المعايير، ولا نزال، لكن المشكلة تكمن في أن (التيار) يضع المعايير ليستفيد منها، ومن ثم ينقلب عليها، وهذا ما أثبتته التجارب منذ بداية العهد لغاية اليوم، ومثال ذلك مقاربته لحصة الدروز في الحكومة»، موضحة: «كانوا يدعون إلى تمثيل الأقوى في طائفته، وعندما وصلوا إلى رئيس (الاشتراكي) بدلوا مواقفهم».

وقد عبّر وزير الصناعة حسين الحاج حسن عن أمله في أن «تتشكل الحكومة سريعاً، بعد أن يأخذ المعنيون بتشكيلها بمبدأ التناسب والنسبية وحسن التمثيل، تبعاً لنتائج الانتخابات النيابية، وما أفرزته من أحجام للكتل النيابية والسياسية، وليقتنع الجميع بأن احترام النسب في التمثيل هو مساعد أساسي في تذليل العقبات وتشكيل الحكومة».

من جهته، دعا النائب في «تكتل لبنان القوي»، إلياس بو صعب، إلى «الإسراع في تشكيل الحكومة»، مشيراً إلى أن «المسؤولية الأولى هي عند رئيس الحكومة المكلف لأنه وفق الدستور، فإن رئيس الحكومة يُنتظر منه ولا يَنتظر، لذا عليه أن يبذل الجهد ليكون المعيار الواضح هو أساس تشكيل الحكومة».