&.سالم حميد

بمثالية مشكوك فيها، وفي محاولة يائسة لتجميل وجه النظام القطري، أعلنت الدوحة عن منح الأردنيين عشرة آلاف فرصة عمل جديدة في الدوحة. ويكشف الخبر مأزق قطر التي تعتقد أن جلب آلاف الموظفين سوف يعيد تدوير المال ويخلق انتعاشاً لمواجهة الركود الاقتصادي. كما يمثل الخبر مناسبة لمراجعة أداء قطر المخادع الذي يدفعها إلى توجيه كل الفرص والمنح لدعم المنتمين للجماعات الإرهابية فقط. الأمر ذاته يسري على إعلانها الأخير الذي تهدف من ورائه إلى ضخ أموال لدعم «إخوان» الأردن، باستغلال الأزمة الاقتصادية الأردنية لإحياء أساليب قطرية مكررة لتمرير وشرعنة الدعم المالي الذي تمنحه للجماعات المتطرفة.
هناك تبادل مصالح قائم لم ينقطع بين قطر وتنظيمات الإسلام السياسي، تحصل الدوحة بموجبه على ولاء وتأييد ومباركة فصائل الإرهاب وأذرعها السياسية والعسكرية، مقابل حصول تلك الفصائل على الدعم المالي والحماية الرسمية وإيواء القيادات وتسهيل تنقلاتها وحماية أرصدتها وتمويل منابرها الإعلامية. ومنذ سنوات وقطر تراهن على قوة الإرهاب العمياء لتعويض شعورها بالضعف والعجز عن تحقيق رغبتها في لعب دور إقليمي أكبر من حجمها. كما أن فائض أموال بيع الغاز أصابت الدوحة بالغرور ودفعتها إلى البحث عن جماعات وتنظيمات وشخصيات للإيجار تقبل بدور شبيه بالمافيا.
ترسخ نهج قطر الداعم للإرهاب وأصبحت له أساليبه وقنواته، كما أصبحت كل مبادرات الدوحة وتحركاتها والفرص التي تقدمها موجهة كلياً لدعم فروع جماعة «الإخوان» وغيرها من الجماعات الإرهابية. وعندما نتأمل منظومة السياسة القطرية بما فيها الأشكال المتعددة لتوظيف المال القطري، نتبين مدى تركيز الدوحة على توجيه الإمكانات الاقتصادية لدعم ورعاية من يدينون بالولاء والانتماء للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة «الإخوان». وبناء على هذا التوجه يصبح القول الفصل بشأن منح الامتيازات والوظائف لمن يرشحه ممثلو الجماعات الإرهابية، وبالتحديد أولئك الذين يقيمون في قطر منذ عقود وأصبحوا من المخضرمين في تشكيل حلقة وصل بين المال القطري والتنظيمات المتطرفة.


في هذا الإطار وضمن إحدى الخدع القطرية لدعم حلفائها «الإخوان»، احتفل أغلبية الشباب العاطلين في الأردن بإعلان قطر عن فتح باب التقدم أمام الأردنيين للمنافسة على عشرة آلاف وظيفة. وبالفعل سارع ما يقرب من 150 ألف أردني بالتسجيل وكلهم يأملون أن يحالفهم الحظ بالفوز بفرصة عمل. بينما لا يعرف الحقيقة سوى عدد قليل من المطلعين الذين يدركون أن الفرصة لن تستوعب في نهاية المطاف سوى من يثبت انتماؤه للذراع الحزبي لجماعة «الإخوان» في الأردن ممثلاً بـ«جبهة العمل الإسلامي»، ولدى قطر وسائل فرز وآليات ترشيح يمكنها من خلالها استبعاد وإقصاء كل من يثبت عدم انتمائه لـ«الإخوان»، وفي كل القطاعات الاقتصادية والوظائف بالدوحة لا تصدر الموافقات الأمنية وعقود العمل إلا لمن تتأكد قطر أنهم من «عبيد» الإخوان ومن العناصر المطيعة. وتعتبر المبادرة القطرية المزعومة بخصوص منح آلاف الوظائف للأردنيين مجرد استغلال للأزمة الاقتصادية في الأردن، بهدف تقديم دعم مباشر لكوادر جماعة «الإخوان» الإرهابية. ورغم أن الإعلام القطري حاول استثمار هذه الخدعة لتجميل وجه النظام وعدم الكشف عن الفئة المستهدفة بالتوظيف. إلا أن هذه الحيلة لم تمر بسهولة ويمكن قياسها بتجارب دعم سابقة وصلت إلى حد منح الدوحة الجنسية القطرية لقيادات وعناصر «إخوانية» معروفة. ولم تتوقف الأجهزة القطرية عن هذا النهج منذ ستينيات القرن الماضي، عندما منحت الجنسية لـ«الإخواني» يوسف القرضاوي، وإلى جانبه كوادر «إخوانية» أسست منذ وقت مبكر لاستنزاف أموال القطريين ووظائفهم لصالح تنظيم «الإخوان»، وهذه المرة جاءت الفرصة من نصيب «إخوان» الأردن.


لو أن قطر كانت جادة بالفعل في تقديم العون للشعب الأردني، كان الأولى بها تنفيذ مشروعات داخل الأردن، تؤدي إلى خلق فرص عمل لامتصاص البطالة من الشارع الأردني. أما الخدعة الأخيرة فإنها بحسب محللين اقتصاديين لا تخدم الأردن، بل إنها مجرد فقاعة إعلامية لا يستفيد منها الشباب العاطلون، لأنها ترتهن لترشيحات ذات مقاييس تنظيمية متصلة بالجماعات التي اعتادت قطر دعمها وتمويلها واستيعاب عناصرها. والفرص المعلنة تستهدف في الخفاء توظيف من ينتمون لـ«جبهة العمل الإسلامي»، وربما جاءت بناء على توصية من قيادات «إخوانية» في التنظيم الدولي، على خلفية الأزمة الاقتصادية القائمة في الأردن. وفي الوقت ذاته تهدف الدوحة إلى تجديد الدماء في مؤسساتها، وضمان الولاء من قبل الوافدين الذين تفضلهم على الشباب القطريين.