لم تثنِ المبادرة الروسية الأخيرة بإعادة مليون و700 لاجئ سوري إلى بلدهم، الشاب سلطان (27 سنة) بالعدول عن فكرة السفر إلى الغرب. ومع تصاعد وتيرة الأزمة في سوريا وطول أمدها، يفضل معظم السوريين الذين يعيشون قسراً بين قارتي آسيا وأوروبا في المدينة التركية إسطنبول الواقعة على البوسفور، السفر إلى أوروبا هرباً من شبح الحرب الدائرة في بلادهم.
منذ وصوله إلى مدينة إسطنبول التركية قبل 5 سنوات، يعمل ليل نهار ليدّخر مبلغاً من المال يكفيه لتغطية نفقات السفر عبر طرق التهريب إلى وجهته، وهو واحد من آلاف السوريين الذين ينتظرون أن تحين لهم الفرصة للعبور إلى اليونان المجاورة، ومنها يتابعون الرحلة إلى أوروبا، والأخيرة شددت أخيراً من إجراءات استقبال اللاجئين وتسببت القضية بأزمات داخلية في عددٍ من دولها.
ينحدر سلطان من مدينة منبج الواقعة على بعد 81 كيلومتراً شمال شرقي مدينة حلب، كان طالباً جامعياً في سنته الثالثة يدرس كلية العلوم قسم الأحياء عندما غادر مسقط رأسه نهاية 2013، بعد توسع سيطرة عناصر تنظيم «داعش» في شمال سوريا آنذاك.


وفي بداية حديثه لـ«الشرق الأوسط» نقل سلطان أنه لا ينوي العودة إلى سوريا وعازم على السفر، وقال: «بلدي مزقته نيران الحرب، بات مقسماً بين جهات عسكرية محلية وإقليمية ودولية، أصبحت ساحة مفتوحة لتصفية الصراعات».


وتحولت مدينة منبج إلى محطة تجاذب بين دول إقليمية ودولية، حيث أعلنت تركيا مراراً نيتها بشن عملية عسكرية في منبج ضد (وحدات حماية الشعب) الكردية، والأخيرة أعلنت أنها سحبت آخر مستشاريها منتصف يوليو (تموز) الماضي، لكن أنقرة تتهمها بصلتها بـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور لديها.
يعمل سلطان بمجال الخياطة في معمل تكستايل بمدينة إسطنبول التركية، ما يدر عليه مبلغاً مقبولاً للعيش في مدينة مرتفعة الأسعار، كما لا ينوي البقاء في تركيا «لأنها محطة مؤقتة لا أكثر، وسأنتقل إلى مكان أشعر فيه بالاستقرار وأكمل دراستي التي حُرمت منها». وعن وجهته في السفر أشار إلى أنها ستكون أما إلى ألمانيا أو السويد، مضيفاً: «أبحث عن وطن آخر لأن بلدي سوريا لن تكون حضناً لكل أبنائها».
وعلى غرار سلطان، فرَّ كثير من هؤلاء اللاجئين من الصراع الدائر في سوريا منذ 7 سنوات، الذي أودى بقرابة نصف مليون شخص، كما أدى إلى تشريد نحو 11 مليون شخص داخل البلاد وخارجها. ولجأ نحو 5.6 مليون سوري للخارج بحسب تقديرات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، قصد معظمهم دول الجوار لبنان والأردن والعراق وتركيا. وباتت تركيا الوجهة الأولى للاجئين السوريين، حيث كشفت دائرة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، بآخر إحصائية لها إنّ عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية بلغ حتى بداية يونيو (حزيران) الماضي 3.5 مليون لاجئ، وتعد مدينة إسطنبول من أكبر التجمعات السكانية، حيث يسكن فيها نحو 537 ألفاً و829 لاجئاً.

ذكريات مثقلة


تروي ياسمينا (31 سنة) كيف اعتقلت بمدينة اللاذقية صيف 2013 على خلفية أنشطتها المناهضة لنظام الحكم في سوريا. وقتذاك بقيت 9 أشهر في السجن بتهم عدة، من بينها «نشر مقاطع فيديو تسيء للدولة» و«إيصال مساعدات لأهالي المسلحين في بابا عمرو بمدينة حمص».
نقلت لـ«الشرق الأوسط» أنها تعرضت لانتهاكات جنسية عدة، مضيفة: «أجبرني السجان على خلع كامل ملابسي، وأثناء التحقيق كان يهددني المحقق أنه سيعتدي علي جنسيّاً»، وتسبب اعتقالها بوفاة أحد إخوتها إثر جلطة بعد سماعه النبأ، الأمر الذي دفعها للخروج من سوريا ولجأت إلى تركيا ربيع 2014.


وتعيش ياسمينا في منطقة (مجيدي كوي) بإسطنبول، لكنها لا تشعر بالاستقرار بسبب أزمة تركيا الداخلية على حد قولها، وقدمت ملفها إلى سفارتي بريطانيا والدنمارك، على أمل أن تقبل لاجئة في إحدى الدولتين، وأضافت: «حتى لو رُفِض طلبي، فسأطرق أبواب جميع السفارات، لأنني لن أسافر بالتهريب أبداً، صار معي (فوبيا) من المناظر والمشاهد التي تابعتها وسمعتُ عنها». أما ملهم (25 سنة) المتحدر من العاصمة السورية دمشق، فلم يخفِ رغبته بالعودة إلى وطنه، لكنه يخشى أن يُجبر على القتال إلى جانب الجيش النظامي أو فصيل عسكري آخر، وقال: «السلاح دمر البلد وهجر البشر، كل ما أفكر بالرجعة بخاف كثير من شبح الحرب».
ويعمل ملهم في معرض لبيع الحجابات والعباءات التركية يقع في منطقة سلطان غازي، ويسكن مع عائلته في مكان عمله ذاته، وأخبر والديه نيته السفر سرّاً عبر طرق التهريب إلى أوروبا، لكنه ينتظر إيجاد مهرب وطريق مضمون على حد تعبيره، ويزيد: «سأذهب لأبدأ حياة جديدة. في تركيا شغل وتعب وما في مستقبل، وبسوريا حرب وفوضى».
وفيما تنتظر سناء (28 سنة) المتحدرة من حلب شمال سوريا وتعيش في مدينة إسطنبول برفقة أسرتها منذ خروجها من سوريا سنة 2013، بعد أن قسمت المعارك مدينتها، جواباً من مكتب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتحدد للعائلة الدولة التي قبلت ملف لجوئهم، قالت: «عندي أخ صغير مُقعَد يعاني من إعاقة دائمة، طلبتنا المفوضية بداية العام الحالي، وأخبرونا أن ملفنا أرسل إلى عدد من الدول الأوروبية وبانتظار الموافقة». لكن والدتها لا ترغب في السفر إلى ألمانيا أو إحدى الدول الأوروبية، لأنها «تفضل كندا أو أستراليا، أو أي دولة يكون فيها عمل وشغل» كي لا يبقوا بصفة لاجئين.

&