طوني فرنسيس

يحتفل لبنانيون كثر هذه الأيام بذكرى إعلان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. تلك الجبهة التي ارتبطت باسم جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الذي اغتيل إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ضمن موجة اغتيالات طاولت رموزاً وطنية لبنانية، وباسم محسن إبراهيم مؤسس منظمة العمل الشيوعي اللبناني، أمين سر الحركة الوطنية بزعامة كمال جنبلاط الذي كان أول الكبار اللبنانيين يذهب ضحية اغتيال لا تخفى عناوين مرتكبيه.

أعلنت تلك الجبهة وانطلقت على الفور في سلسلة هجمات على قوات الاحتلال الإسرائيلية التي احتلت بيروت إثر اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في 14 أيلول (سبتمبر) 1982، وفي 26 منه انسحب الإسرائيليون وهم يذيعون نداءهم الشهير: لا تطلقوا علينا النار ... نحن منسحبون.

لم يكن عناصر الجبهة جدداً في العمل المسلح، فالشيوعيون واليساريون اللبنانيون وهم من كل الطوائف والمناطق تمرسوا منذ نهاية الستينات في المواجهات مع الإسرائيليين، ومنذ تدمير الطائرات المدنية اللبنانية على أرض مطار بيروت في عام 1968، على يد قوات كوماندوس إسرائيلية، شرع هؤلاء في تأسيس منظمات لمقاومة الاعتداءات الإسرائيلية، فكان «الحرس الشعبي» ثم «قوات الأنصار»، وفي التنظيمين لعب اليسار اللبناني دوراً محورياً قبل أن يتضخم الحضور الفلسطيني ويبتلع التجربة الوطنية اللبنانية المستقلة في مقاومة الأطماع الإسرائيلية.

ارتبط إعلان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بحدثين مفصليين، الأول خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان رسمياً في اعقاب الاجتياح الإسرائيلي (نهاية آب / أغسطس 82) والثاني اغتيال بشير الجميل. وجاء الإعلان ليجيب عن تحديين كبيرين، كيفية مواجهة الاحتلال بأيد لبنانية، ومنع تحويل اغتيال الرئيس المنتخب إلى شرارة جديدة تعزز مسار الحروب الأهلية الداخلية. بكلام أوضح حاول اليسار اللبناني أن يجعل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية الداخلية بعد تحول لبنان منذ مطلع السبعينات إلى جزر طائفية ومذهبية ومناطقية مدعومة من قوى التدخل السوري والفلسطيني، وتوجت هذه السنوات المريرة بالغزو الإسرائيلي الذي استفاد من كل ما زرعه المسيئون قبله من انقسامات، حتى أن بعض اليائسين من الجنوب إلى الجبل ارتأوا الترحيب به مخلصاً.

كانت تجربة الجبهة التي عرفت اختصاراً باسم «جمول» بارزة ومهمة طوال السنوات اللاحقة حتى نهاية الثمانينات. لم تنخرط في نزاعات محلية وركزت على مطاردة قوات الاحتلال وأجبرتها على الانسحاب من جبل لبنان الجنوبي وصيدا ... إلا أن مشروعاً آخر كان يطبخ برعاية نظام الأسد ونتيجة ما عرف في حينه باتفاق الأسد- رفسنجاني. بدأ التضييق على المقاومة الوطنية بمطاردة عناصرها، وجرى تلزيم المقاومة إلى فصيل «المقاومة الاإسلامية» الذي واجه عناصره الاحتلال بشجاعة، لكنه أفقد المقاومة صفتيها الإساسيتين: أن تكون عنصر وحدة وطنية وأن تمنع عودة حالات الانقسام ومسببات الصراع الداخلي.

المحتفلون بالجبهة في يومها (16 أيلول / سبتمبر) يمسكون بالكثير من الحنين، لكن ما يحتاجونه أبعد من الحنين، هو استعادة جوهر التجربة التي لم تقم إلا في سبيل توحيد اللبنانيين في وجه الخطر المشترك، ومنع الانزلاق إلى مزيد من الانقسامات المذهبية والطائفية وهو عكس ما نشهده اليوم.