&ياسر الغسلان&& &

&قد يكون من الصعب التصور بأن مستوى الإثارة وحدة المنافسة والصراع التي ستعيشها السياسة الداخلية الأميركية في الأسابيع القادمة ستكون أشد وطأة من تلك التي شهدناها في السنتين الماضيتين منذ أن تم انتخاب ترمب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، وذلك على اعتبار أن المرحلة التي تلت انتخاب الرئيس كانت أقرب لكونها مجرد ردات فعل من قبل المناهضين له، نتيجة صدمتهم بالخسارة التي اعتمدت على محاولات متكررة لشيطنة الرئيس، وإلصاق التهم المفتعلة سياسيا أحيانا والتركيز على الأزمات الحقيقية التي نتجت عن انتخابه أو ما سبقتها في أحيان أخرى.


حالة المنافسة والتصارع السياسي التي ستشهدها أميركا -كما هو معلوم- مكمنها أنها فترة الانتخابات النصفية التي ستشهد إعادة رسم خارطة مجلس النواب بأكمله، والبالغة مقاعده 435، إضافة لثلث مجلس الشيوخ البالغة مقاعده 35 إلى جانب منصب 36 حاكم ولاية، وهي المقاعد والمناصب التي ستشكل التوجه العام لممثلي الشعب الأميركي من السياسات التي انتهجها وسينتهجها ترمب في ما تبقى من فترة رئاسته، إلى جانب أنها ستكون المحك الرئيسي لمدى قدرة الرئيس على إكمال مشاريع «إعادة أميركا عظيمة»، كما يصفها، والتي أثارت وما زالت تثير الكثير من اللغط حول توجهاتها الانعزالية وافتقارها إلى روح الدستور والمبادئ التي بنيت عليها أميركا كما يقول المشككون.


وفق الأرقام الأخيرة هناك إشارة واضحة إلى أن حالة من النشاط الديمقراطي بدأت في البروز، وذلك من خلال تزايد حماس المنتمين لهذا الحزب على المشاركة الفاعلة في الانتخابات القادمة، حيث تشير الاستطلاعات إلى أن الديمقراطيين قد ينتزعون 50% من الأصوات مقابل 38% للجمهوريين، وهو المعدل الذي يعزوه الكثيرون لانخفاض شعبية الرئيس لأدنى مستوياته في سبتمبر الجاري، حيث وصل إلى 36% فقط.
التحدي الأكبر الذي سيواجهه الرئيس وحزبه الجمهوري سيكون في مجلس النواب من جهة ومقاعد حكام الولايات، حيث إن كفة التنافس تعد متوازنة بين الطرفين، مع وجود غلبة طفيفة للديمقراطيين على اعتبار أن هناك توجها عاما لدى الشارع الأميركي بضرورة إحداث تغيير داخل المجلس، والذي أثبت الجمهوريون فيه تبعية مطلقة للرئيس، وهو الأمر الذي يخالف -كما يرى المعلقون- الدور الذي من أجله يقوم المواطن بصرف النظر عن انتمائه السياسي بانتخاب ممثله الذي عليه القيام بدور الرقيب على السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس، لا تابعا لها، وهو الأمر الذي أصبح إحدى سمات الحزب الجمهوري في دورته الحالية.
حالة التفكك وعدم الثقة التي يقول البعض إنها أصبحت السمة السائدة داخل الحزب الجمهوري، خصوصا من شريحتي الناخبين الشباب والنساء، ستعطي المجال للديمقراطيين في الحصول على عدد أكبر من مقاعد قد تمنحهم الأغلبية المنشودة، وهو الهدف الذي يعملون على استعادته منذ أن خسروها بانتخاب ترمب في نوفمبر من عام 2016.


وعلى الرغم من أن الوضع أقل خطورة بالنسبة للجمهوريين في مجلس الشيوخ إلا أن هناك قلقا ينتاب العديد في قيادات الحزب من ضعف أداء الأعضاء في عدد من الولايات، خصوصا المحافظة منها مثل ميسوري وإنديانا، إلى جانب المخاوف من منافسة الحزب الديمقراطي في ولايات تعد معاقل للجمهوريين مثل تكساس وتينسي.
قد يقول البعض إن استطلاعات الرأي أثبتت فشلها عندما تكهنت بفوز هيلاري كلينتون على دونالد ترمب في انتخابات 2016 كما تمت الإشارة إليه في مقال سابق، إلا أن شهادة نيل نيوهاوس، وهو أحد كبار مستطلعي الرأي من الجمهوريين، قد ينظر لها بأنها شهادة من داخل الحزب فيها على الأقل شيء من الموضوعية، فقد حذر في حديث لشبكة CNBC مؤخرا من عواقب السياسيات والقرارات التي اتخذها ترمب منذ قدومه للرئاسة على التواجد الجمهوري في واشنطن التي قد يلمسها الحزب بشكل واضح في انتخابات نوفمبر، حيث يرى بخلاف ما يروج له الجمهوريون وترمب معهم من أن الاقتصاد وخلق الوظائف هما العاملان الحاسمان في الانتخابات، في كون العنصر الأهم سيكون شعور الناخب تجاه الرئيس الذي يرى أنه لا يحظى بالرضا الشعبي كما يتصور الرئيس وبعض الحزبيين.


من المسلّم به أن المنافسة التي ستشهد المستوى الأعلى من الإثارة والندية ستكون في مجلس النواب وحكام الولايات، إلا أن المفاجأة المدوية التي قد تتحقق هي في حال تصاعد تلك المنافسة في مجلس الشيوخ، خصوصا مع تزايد قلق الجمهوريين من تصاعد أسهم الديمقراطيين وتدني تأييد ترمب، الأمر الذي قد يجعل أغلبيتهم في مجلس الشيوخ والتي تصورها مضمونها في خطر.

&